عن لبناني "يشبه شعوب المتوسط".. دون السوريين والفلسطينيين

يارا نحلة

السبت 2019/08/03
على نحوٍ فيروسي، تتكاثر في الآونة الأخيرة أبواق لبنانية عنصرية تجاهر برفضها لمحيطها العربي، لا بل وبإحتقارها له. ينطلق هذا الخطاب من مبدأ الفوقية الجينية وهي بمثابة الفوقية المطلقة التي تستتبعها صور كثيرة من الفوقيات الجزئية. وهو يأتي في خضم الحرب التي يشنها بعض مكونات المشهد السياسي اللبناني على اللاجئين، من فلسطينيين وسوريين، تحت مسمى حماية اليد العاملة اللبنانية والنسيج الاجتماعي "اللبناني".

متسلحة بجذورها الفينيقية، تتباهى حفنة من الشباب المسيحي الغاضب، بكراهية العرب وخصومتها معهم. وفي نبذهم المتكرر لهويتهم العربية، يقع هؤلاء في مغالطات وتناقضات تفضح قصور هذا الفكر، وخلوه من أي مصداقية تاريخية أو عقائدية مهما كانت. 

ففي مقطع فيديو نشر مؤخراً، وما لبث أن أزيل بفعل صحوة ضمير باغتت صاحبه أو التعليقات القاسية التي تلقاها، يحاجج المخاطب بإمتلاكه جذوراً وقواسم مشتركة مع كافة شعوب البحر المتوسط من قبرص إلى اليونان وإسبانيا، فيما ينكر أي إرتباط تاريخي أو حضاري مع السوريين والفلسطينيين. أما برهانه الأقوى على ذلك فهو تفرّد اللبنانيين- ولا يوضّح أي فئة منهم بالضبط- بعيونهم الواسعة على عكس العيون الضيقة لجيرانهم العرب. 

لا يذكر بالطبع مصادر الدراسات "التطورية" التي استند إليها في تمييزه الجيني الفينيقي عن العربي، عبر حجم العيون، بما يتعارض مع كافة "التنميطات" المرتبطة بعيون أهل الصحراء الواسعة والمكحلة.

يواصل الداعية التنويري تعمقة في سراديب تاريخ خيالي، مذكّراً بأن لبنان "عمره 60 ألف سنة، مش 4000 أو 5000 سنة". يعود بالزمن عصوراً إلى الوراء ليستمد منها بعض المجد، وهذا لإنعدام أسباب الفخر والإعتزاز في حاضره. 

يدلي بخطابه باللغة العربية، فيما يهين "العربانجي" ولغته. ثمّ يفاخر بتحدثه الإنكليزية والفرنسية بإعتبار أنه هو الذي صدّر الأبجدية إليهم، غير مدرك بأنه يتشارك هذه الميزة مع كافة شعوب العالم التي كانت يوماً المستعمَرة. ويحمله خياله وحماسته نهايةً إلى الإعلان بأن "لبنان هو أصل الحضارة وهو الذي صدّر للغرب كل ما يستخدمه".

من اللافت تشابه هذه الظاهرة إلى حدّ بعيد مع الممارسات الإعلامية والخطابية للalt-right الغربي. ففي الحالتين، المشهد نفسه: شاب في مقتبل العُمر أو منتصفه، يظهر في مقاطع فيديو في "فايسبوك" مخاطباً أعدائه، ومستعرضاً قوة إفتراضية تتنافى مع واقع الحال.

يعوّض هذا عن عجزه في الحياة الواقعية، بإدعاء قوة وفوقية في الميدان السياسي، تتمظهران بصور العنصرية والطائفية والـ"ماتشو". يحلم العنصري الأميركي أيضاً بإسترجاع ماضٍ غابر كانت فيه أميركا "عظيمة". إلا أن نظيره اللبناني يتفوق عليه في أصوله، فهو لا يصبو إلى إسترجاع تاريخ إنقضى منذ قرون فقط، بل منذ ألفيات. 

في المحصلة، يمكن الخلوص إلى القول بأن مسيحيي لبنان ليسوا بخير. ويكمن عارضهم الأساس في إنكارهم لواقعٍ يحيونه، وإستبداله بآخر من نسج أوهامهم وتمنياتهم، يقدّمونه على أنه حقيقة تاريخية. فبين واقعهم ووهمهم هوة شاسعة لا يمكن ردمها بشعارات العظمة وخطابات القوة الفارغة. 

وتتجرأ عينة من الشباب اللبناني العنصري على نعت الفلسطيني بالـ"زبال"، في الوقت الذي أصبح فيه إسم لبنان مرادفاً لأزمة النفايات المستمرة منذ أربع سنوات. ففينيقيو لبنان، كمُسلِميه ولاجئيه، يغرقون بشكل متساوٍ في النفايات التي ينتجونها على قدم المساواة أيضاً. ومن بين النفايات، يرفع أحد الواهمين رأسه ليهتف بشعار "لبنان أصل الحضارة"، متوقعاً أن يأخذه العالم على محمل الجدّ. 
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024