المدينة الميتة تنام.. خدّها في راحة يدها

فوزي يمين

الثلاثاء 2021/08/03
(هنا)
هنا لا ننتظر الأمل من السماء بل من تحت الركام، لعلّ صوتاً لم يغرق بعد في فمه، نسحبه لنسمعه.
هنا لا نعيش بل نحاول فقط أن ننجو.
هنا لا نعدّ موتانا على أصابعنا بل نجمعهم لكثرتهم على الآلة الحاسبة الالكترونيّة: مائة ألف زائد ألف زائد مائة ألف إلى أن نُخطىء... ومن جديد.
هنا تتكاثر المدافن من حولنا كأنّما لتدفئنا، نحن الأحياء في برّادات الحياة الرخيصة.
سعرُنا؟
خردقة، رصاصة، إصبع ديناميت، كيس مفرقعات في مستودع رطب.
هنا لا نلملم جراحنا بل ننظّفها بشريحة بصل ولا نعرف أبداً على مَن كان يجب أن نلقي اللوم في الأساس.
هنا بذرة مريضة،
طقس مسلول،
نار صامتة،
غالباً في منتصف الليالي المشؤومة تستيقظ الأسئلة المرعبة، من مثل: كيف باستطاعة أحد أن يقرأ بالعينين؟ هل ينبغي على الطيران أن يُنصِف الطائر؟ ماذا يقول الذي كان صامتاً كلّ حياته حيال كلّ شيء؟
لا كلمة تخرج من الفم،
عالياً في القبب تتقشّر الجداريّات وغبار ملوّن يسقط داخل أعيننا.
هنا السماء طنجرة ضغط والغيوم تغلي،
والمدينة الميّتة تنام واضعة خدّها في راحة يدها،
أصلاً من المعروف تاريخيّاً أنّ المدن التي على الساحل تنتهي بأن تذوب كالملح في البحر.

(الآن)
تريد أن تعرف حقّاً ما جرى؟
خذها من فم الذين ماتوا، اقلبْ وجوههم وانظرْ في عيونهم: هناك عطر تأخّر عن الإقلاع، هناك صدى لم يرجع من الصوت.
قبلها، في النهار البائت، كانوا قد قالوا شيئاً لأحد بمحض المصادفة، فماذا قالوا؟
وكانوا قد ناموا على فكرة راودتهم بشدّة لكنّها لم تبلغ الشاطىء، فكيف ناموا؟
هذا وتر أضاع نغمته،
وتلك نغمة خارج اللحن أُصيبت بتضخّم الأعصاب فتحاملت على نفسها،
والأغنية التي راجت طويلاً عرفناها قبل أن تنزل إلى السوق،
حفظناها عن ظهر موت،
كلّها صمت بصمت.
الآن
أيّ كلمة تنهض لتلبس فستاناً يليق بها؟
أيّ شفة تفترّ إلّا مقطّبة بفاجعة؟
أيّ غراب يستغرب سواده؟
على الشرفة المحاذية للبحر،
زرعنا شجرة طويلة من الدم وجلسنا تحتها نتفرّج على الأرض ذات الأثداء العريقة تحترق!
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024