من سميرة سعيد الى العلمين السوري والاسرائيلي.. "يوروفيجن" العرب

حسن مراد

الأحد 2019/05/19



لم يكن الحفل النهائي لمسابقة "يوروفيجن" بعيداً عن أجواء المقاطعة والسخط وشد الحبال السياسية. فقد اختتمت مساء السبت مسابقة الأغنية الأوروبية "يوروفيجن" حيث تُوّج الهولندي دونكان لورانس باللقب في حفل تنافس فيه 26 مغنيا وفرقة يمثل كلٌ منهم بلداً. 

هذه المسابقة الغنائية التي ينظمها اتحاد البث الاوروبي، دون انقطاع منذ العام 1956 ، تعد من البرامج الأكثر شعبية لناحية حجم المشاركة ونسبة المتابعة التي بلغت 186 مليون شخص العام الماضي. بخلاف ما يوحي به اسم المسابقة والجهة المنظمة لها، فإن المشاركة بها غير محصورة بالقارة الأوروبية إذ يحق لأي بلد عضو في هذا الاتحاد أن يتمثل في هذه المظاهرة الفنية.

طبقاً لما درجت عليه العادة، أقيمت مسابقة هذا العام في تل أبيب بعدما حصدت الإسرائيلية نيتا برزلاي اللقب في الدورة الأخيرة. لكن استضافة الدولة العبرية للنسخة الـ 64 من اليوروفيجن لم يلقَ استحساناً فانتشرت دعوات المقاطعة حتى لا يتحول البرنامج إلى منصة لتلميع صورة إسرائيل نظراً لشعبيته الكبيرة  ما يعني القدرة على التأثير في الرأي العام الأوروبي على وجه الخصوص. 

في خضم هذه الاجواء، التقطت  الكاميرات لقطتين مثيرتين  فخلال أداء ضيفة النهائيات، المغنية الأميركية مادونا، لفقرتها الغنائية، ظهر راقصان يحضنان بعضهما البعض وقد وضع احدهم العلم الإسرائيلي على ظهره فيما ثبتت زميلته العلم الفلسطيني وهو ما اعتبر رسالة تدعو للسلام. 

والجدير بالذكر أن مادونا رفضت النداءات الموجهة إليها لعدم إحياء النهائيات، ولم يعرف ما إذا كانت "ملكة البوب الأميركي" على علم بهذه المبادرة أم لا. 

أما اللقطة الأبرز كانت خلال الإعلان عن النقاط التي حصل عليه الفريق الآيسلندي بناءً على تصويت الجمهور، إذ بادر أعضاء الفريق إلى رفع الأعلام الفلسطينية مباشرة على الهواء ما دفع بالمخرج إلى قطع الكاميرا عنهم فيما علت أصوات مستنكرة من الجمهور المتواجد في المسرح . 

وقد انتشر فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، بعدسة أحد أعضاء الفريق الآيسلندي، أظهر مصادرة الأعلام من قبل المنظمين ربما لمنعهم من رفعها مجدداً خلال الحفل.

حكاية العرب مع "يوروفيجن"

صحيح أن العديد من الدول العربية منضوية في اتحاد البث الأوروبي، إلا أنها غابت، هذا العام أيضاً، عن فعاليات المسابقة سواء لناحية المشاركة أو الامتناع عن نقلها تلفزيونياً .
هذا الغياب شبه الدائم عرف بعض الاستثناءات في الماضي: فالمرة اليتيمة التي شهد اليوروفيحن مشاركة عربية كانت في العام 1980 عبر المغربية سميرة سعيد بعدما اعتذرت اسرائيل عن عدم المشاركة. إلا أن الأغنية العربية لم تكن بعد مألوفة عالمياً لتحل بذلك المغرب في المركز ما قبل الأخير. 

من جانب آخر، كان يفترض بلبنان أن يشارك في نسخة العام 2005 ممثلاً بالمغنية ألين لحود، لكن اشتراط تلفزيون لبنان عدم نقل عملية تتويج المغنية الإسرائيلية في حال فوزها إضافة إلى الامتناع عن بث أغانيها أدى إلى عرقلة التوصل إلى اتفاق مع اتحاد البث الأوروبي فامتنع بذلك لبنان عن المشاركة.  

ومثلما تحولت المشاركة العربية إلى مادة اشكالية، كذلك كانت الحال عندما غطت قنوات عربية فعاليات المسابقة عام 1978. فخلال الإعلان عن النتائج بصورة تدريجية كما تقتضي القواعد، كانت النتيجة تحسم شيئا فشيئا لصالح الفرقة الإسرائيلية ما دفع بالقنوات العربية إلى قطع بثها، حتى أن التلفزيون الأردني أعلن في اليوم التالي عن فوز بلجيكا للقب فيما الواقع أن المغني البلجيكي حل ثانياً. 

ولكن أيضاً كانت اليوروفيجن منصة للبوح برسائل سياسية، ففي العام 2000 أدت الفرقة الإسرائيلية أغنية تدعو للسلام مع سوريا، رافعة خلالها العلمين السوري والإسرائيلي في تعبير عن تطلعات جيل جديد من الإسرائيليين للسلام وذلك بعد تعثر المفاوضات بين الجانبين ذاك العام.  

تجدر الإشارة الى أنه في الوقت الحالي ليس هناك من عائق سياسي يمنع بعض الدول العربية، كمصر والأردن، من تغطية هذه المسابقة. قد يكون السبب إذا إعلامي - تجاري بحت، أي تقدير مسبق أن البرنامج لن يلقى الرواج المطلوب. 

والحال أن تحول المسابقة إلى ساحة لتصفية الحسابات العربية - الاسرائيلية ليس استثناء، ففي الأساس اقيمت لغرض سياسي وهو التقارب بين شعوب أوروبا الغربية بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية. 


تصفية حسابات سياسية

منذ تاريخها، تشكل اليوروفيجن امتدادا لمختلف النزاعات: ففي العام 2017 لم تمنح أوكرانيا، أي البلد المضيف، تأشيرة للمتسابقة الروسية بسبب التوترات بين البلدين. 

من جهتها، عندما استضافت روسيا المسابقة عام 2009 ارادت الفرقة الجورجية المشاركة أداء أغنية بعنوان We Don't Wanna Put In ما دفع باتحاد البث الأوروبي إلى الطلب بتعديل المقطع إذ يحمل تلاعباً في اللفظ يرمز إلى بوتين. على اثره قررت جورجيا العدول عن المشاركة ذاك العام متهمةً موسكو بممارسة الضغوط على الاتحاد على خلفية النزاع المسلح الذي دار بين البلدين عام 2008. 

مسابقة العام 2003 سجلت سابقة تمثلت في عدم حصول الفرقة البريطانية على أي نقطة من نقاط تصويت الجمهور وهو ما فسره البعض كعقاب لطوني بلير على مشاركته في غزو العراق، كذلك انسحبت اليونان من نسخة العام 1975 احتجاجا على مشاركة تركيا بعد أقل من عام على غزو الأخيرة لقبرص. 


مشاركة المثليين

على خط مواز، تحولت اليوروفيجن في السنوات الأخيرة إلى منصة تتيح للمثليين والمتحولين جنسياً الإطلالة والبروز من خلالها. بدأ ذلك مع فوز الإسرائيلية دانا انترناشونال باللقب عام 1998 وبعدها النمساوية الملتحية كونشيتا فورست عام 2014 وكلاهما من المتحولات جنسياً وهو ما لم يكن مألوفاً في الماضي. هذه النقطة تفسر سبب تطرق الإعلان الترويجي الإسرائيلي لفكرة أن تل أبيب "مدينة صديقة للمثليين". 

في هذا الإطار دعت 60 جمعية تعنى بالدفاع عن حقوق المثليين والمتحولين جنسياً في أكثر من 20 بلداً، إلى مقاطعة مسابقة هذا العام. واعتبرت هذه الجمعيات أنه من وجهة نظر تحررية لا يمكن فصل حقوق المثليين عن الحقوق الشرعية والتاريخية للفلسطينيين رافضة بذلك محاولة اسرائيل تسليط الضوء على هذه المسألة  لإشاحة الأنظار عن سياستها تجاه الفلسطينيين. في الواقع، هي استراتيجية تعرف بـ "الغسيل الوردي"  (Pinkwashing) أي محاولة الظهور بصورة حداثية تقدمية من خلال إظهار مساندة للمثليين.

وتوجهت هذه الجمعيات برسالة مفتوحة إلى المتسابق الفرنسي ذي الأصول المغربية بلال حساني والذي يجاهر بمثليته، داعية إياه إلى الانسحاب من المسابقة، بيد أنه لم يتجاوب مع دعوتهم هذه واصفا إياها بالمسيسة. وقد أعلن بلال حساني أنه يطمح لأن يكون صوت وممثل هذه الشريحة. 

ولعل إعلانه عن رغبته بتمثيل هذه الفئة الاجتماعية استبق أي محاولة لاعتباره ممثلاً للفرنسيين ذوي الأصول العربية وهو ما جرى مراراً في برامج فنية أخرى شارك فيها فنانون عرب أو من أصول عربية. 


البرنامج يعمق الخلافات السياسية؟

 يبدو أن الشعبية الكبيرة التي تحظى بها اليوروفيجن والقدرة على توظيفها سياسياً، لتمرير رسائل أو تسجيل نقاط، ساهمت دون شك في جعلها مرتبطة ارتباطا وثيقاً بالسياق السياسي للدول المشاركة بها لا سيما تلك التي تجمعها نزاعات مسلحة. فعلى عكس ما قد يتمناه البعض، فشل البرنامج في التحول إلى ساحة تلاقي بين الدول والشعوب المتناحرة، لا بل على العكس كانت هذه المسابقة مجالاً لتعميق وترسيخ الخلافات.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024