مدين ديرية لـ"المدن": أتبادل الثقة و"النصرة".. و"داعش" عاملوني باحترام

وليد بركسية

الأربعاء 2016/01/06
الجدل الذي اثاره الإعلامي والمخرج البريطاني - الفلسطيني مدين ديرية، لا يقتصر على كونه أول من دخل معقل "داعش" في الرقة آمناً، وخرج منها بسلام.. فهو متهم بتلميع صورة الجماعات الجهادية، من خلال دخوله لتصوير تنظيمي "داعش" و"النصرة" عن قرب، بينها تقارير إخبارية عن المقاتلين ومعسكرات تجنيد الأطفال في إدلب، وفيلم جديد سيقدمه قريباً، بعد مسار طويل من العمل في أخطر الاماكن، وتصوير أفلام وثائقية فيها، من اليمن الى افغانستان والعراق وليبيا...
في هذا الحوار مع "المدن"، يتحدث ديرية لتوضيح طبيعة علاقته بالتنظيمات الجهادية المختلفة ورؤيته للواقع السياسي والإعلامي في المنطقة..

* كنت أول إعلامي ينجح في الدخول إلى "دولة داعش" وقضاء وقت هناك وتقديم مواد إعلامية عن التنظيم من الداخل. كيف حصل ذلك؟

** الوصول الى "الدولة الاسلامية" كان الأول فعلاً، لكن سبق لي أن قدمت أعمالاً عنهم لدى ظهورهم الأول في سوريا، وكان لي أن وصلت الى مناطقهم في العراق قبل الأزمة السورية. كما التقيت حركات المقاومة العراقية حينها.

* كيف يتم التواصل مع الجماعات الجهادية في سوريا للتحضير لأفلامك؟ هل هناك وسيط مثلاً أو يتم الأمر بشكل مباشر عبر علاقاتك شخصية خصوصاً أنك تقيم في بريطانيا؟

** كان لي احتكاك مباشر معهم في سوريا، واسمي معروف جيداً لدى الحركات الاسلامية بشكل عام، حيث عملت سابقاً في الساحة الافغانية والتقيت كبار قادة حركة طالبان، كما أنجزت أكثر من 80 تقريراً إخبارياً وفيلماً وثائقياً عن المعتقلين في سجن غوانتانامو، والتقيت معظم عائلات المعتقليين في هذا السجن سيئ السمعة في عدد من البلدان، من ضمنها طاجكستان وأفغانستان وأوزبكستان وأذربيجان واليمن وليبيا وبريطانيا.

* التعامل مع الجماعات الجهادية صعب ومعقد عموماً خصوصاً بالنسبة لوسائل إعلام أجنبية؟

** لا أتفق معك، وهذا يعود إلى طبيعة الارض والمنطقة والجماعة. فمثلاً حركتا حماس والجهاد الإسلامي تفتحان الباب واسعاً لجميع المؤسسات الصحافية الدولية دون استثناء ومنها الأميركية التي تصنف بالمعادية، وكذلك حزب الله اللبناني مع وجود ضرورات أمنية بالنسبة للقادة والجهاز العسكري والأمني، وهذا ينطبق على حركة طالبان أيضاً حيث عملت بحرية لا يمكن وصفها خلال التغطيات في مناطق طالبان ولم يتم تفتيشي قط وعوملت بكل احترام. 

* ماذا عن "النصرة" و"داعش"؟

** تعلم "جبهة النصرة" وتنظيم "القاعدة" عموماً أن الإعلام العربي والغربي لن يكون منصفاً، وهو أصلاً معاد لها، فكيف يمكنها الوثوق بوسائل الاعلام؟ غير أن "جبهة النصرة" مؤخراً بدأت تنفتح على الإعلام بصورة تدريجية. أما "الدولة الإسلامية" فلم تكن لطيفة مع وسائل الإعلام وناصبت العداء للصحافيين ونشطاء الإنترنت والناشطين الإعلاميين وقتلت عدداً منهم بطرق مروعة، واختطفت عدة صحافيين مازلنا نجهل إلى الآن بأي قبر أو سجن هم الآن.

* هل تُفرض عليك شروط محددة قبل التصوير مثلاً؟ وما هي تلك الشروط؟

** لا شروط بيني وبين هذه الجماعات. فهي تريد فقط من ينصفها ويقول حقيقتها من دون تجميل أو تشويه، وهذا ما حاولت إظهاره من دون رتوش مع أنني أعترف أن إنصاف هذه الجماعات فيه مغالاة كبيرة، بل يدخل الإعلامي في نفق مظلم واتهامات الى حد الاصطدام مع دول وحكومات. أن تقول حقيقة واحدة عن هذه الجماعات، يقع في قائمة المحظورات. 

* ما هو الثمن الذي دفعته جراء ذلك؟ 

** لقد دفعت الثمن باهظاً، فالدول التي سمحت لي بدخولها هي "الدولة الاسلامية" ومناطق الثوار في سوريا، ومناطق "الدولة" في لييبا ومناطق الثوار هناك، ولبنان واليمن فقط. بينما طردت من أكثر الدول العربية وبصورة مهينة أحياناً مع إبقائي لساعات طويلة في المطارات، وكانت آخر دولة تقرر طردي هي بلدي الغالي الأردن.

شروط التصوير وتلميع الصورة

*هل يمكن القول أنك تخضع لشروط الجماعات الجهادية في أفلامك وبالتالي تقدم جزءاً "مسيساً" من الحقيقة فقط؟


** لا شروط بمعنى أن أتنازل عن استقلاليتي ومهنيتي، ولا أعتقد أن هناك تنازلات. لي تجارب إعلامية قديمة وطويلة مع الحركات الجهادية في بلدان عديدة قبل بدء الصراع في سوريا. أما تجربتي مع "جبهة النصرة" فكانت نتيجة ثقة متبادلة بيني وبين قادة الجماعة، ولم تتدخل "جبهة النصرة" في طبيعة التصوير والإخراج والإنتاج، وقضيت معهم قرابة الشهرين: أنام معهم وآكل معهم. كانوا لطفاء للغاية وعوملت باحترام حتى أني خجلت من حُسن الضيافة، وهذا لا يعني أن أنحاز للجماعة، فهم يعلمون أنني لا أتفق معهم سياسياً وفكرياً. وبالنسبة للدولة الإسلامية فعاملوني باحترام كبير ولم يتدخلوا في عملي إلا للمساعدة، ولم يكن هناك أي اتفاق أو مساومة بل كانوا سعداء جداً بوجودي كأول صحافي يدخل مناطقهم.

* برأيك ما الذي يدفع "النصرة" ومن قبلها "داعش" إلى قبول الظهور أمام كاميرا غربية خارج نطاق مؤسساتهم الإعلامية؟ ما الذي تجنيه هذه الجماعات من هذا الظهور الإعلامي؟

** أعتقد أن الظهور الإعلامي لأي جماعة مهم، لكن هذه الجماعات تخشى أن يتم إظهارها بطريقة لا تريدها. لم أر تقريراً واحداً يداري هذه الجماعات أو يقول كلمة صالحة بحقها، بل على العكس تهاجم كل وسائل الاعلام هذه الجماعات وتتبع أسلوباً غير نظيف في توصيف شيطنتها. وهي غير جادة في التعامل معها وإيصال صوتها بأمانة. وهذا ما لا يمكن أن أقوم به أنا، إذ أعمل على رسم ما يجري على الأرض فأصور ما أريد وأنقل ما يجري، ولا أرغب أن يرسم لي أحد خطوطاً حمراء لوصف هذه الجماعات، فأنا احاول فقط إظهار حقائق صحيحة يريد الجميع إخفائها.

* لكنك تُتّهم عادة بتلميع صورة الجماعات الجهادية وبالتحديد بعد أفلامك التي تناولت داعش من الداخل؟

** كل أعمالي التي لا يوجد بها ذكر للحركات الجهادية تمر من دون نقد أو تجريح، لكن عندما يتعلق الأمر بالحركات الجهادية تنهال الاتهامات ضد العمل وصاحبه. قدمت أعمالاً عديدة عن حركات تمرد مختلفة وعن "أعداء للدولة الإسلامية" كحزب العمال الكردستاني وعن حركات غير دينية والتقيت كل فصائل الثورة السورية. وفي فيلمي الوثائقي (اليمن دولة فاشلة) التقيت الحوثيين والحراك الجنوبي واللجان الشعبية والجيش اليمني ولم ألتق "تنظيم القاعدة". لكن لو نظمنا لقاء واحداً مع القاعدة لقامت الدنيا ولم تقعد.. وهذا هو النفاق.

أخسر غالباً فريقين: محور العمل الذي أصوره أي التنظيمات والدول عندما لا ترضى عن نتيجة أعمالي، وأعداء هذه التنظيمات التي ترفض العمل وتهاجمني. فأنا شخصياً أتحدث مع جميع أطراف النزاع وهذا هو المنطق والعدل وروح المهنية والاستقلالية. وماذا تسمي الصحافيين الغربيين الذين يرافقون الجيش الإسرائيلي في عملياته القتالية أو الوحشية؟ وكم عدد الأفلام الوثائقية الأميركية التي رافق معدوها القوات الأميركية في أفغانستان والعراق وأظهرت الجانب الآخر بالوحشي والمجرم ومصاص دماء والجاهل والغبي؟ مئات الأفلام والتقارير تعد من طرف واحد وتترك الطرف الاخر من دون الاستماع إليه.

الجهاديون نتيجة طبيعية للقمع!

* تتوجه في أفلامك عن الجهاديين تحديداً إلى جمهور غربي ناطق بالانجليزية، ما هي الرسائل الذي تريد إيصالها لهم من هذه الأفلام وكل هذا النشاط؟

** يجب أن يعلم الغربيون أن الحركات الجهادية لم تسقط من السماء. هناك أسباب ومكونات لهذه الجماعات وأولها غضب عارم في الشارع الإسلامي من الغرب الذي دعم لعقود طويلة الحكام العرب وتحالف مع إسرائيل، ثم دعم بقوة أنظمة القمع العربية التي قامت بتحريك ثورات مضادة لثورات الربيع العربي. لذلك كان من الطبيعي ان يلتحم الشباب العربي بالحركات الجهادية بعد تقويض الإسلام السياسي وقمع الأحزاب الإسلامية بقوة من قبل عدد من الأنظمة العربية، كما أن تنظيم القاعدة نفذ عمليات متنوعة ضد الوجود الأميركي في الوطن العربي واستطاع شن هجمات نوعية طالت القواعد الأميركية في قلب الخليج العربي ما بعث برسالة للشباب الإسلامي المتحمس بأنهم من يقود الجهاد ضد أميركا والغرب.

* بعد تجاربك المتعددة في عدة أفلام، ما هي انطباعاتك الشخصية حول التجربة والتعامل مع الجهاديين في سوريا عموماً ؟

** مخطئ من يحاول أن يفصل الجهاديين عن أي حل في سوريا، كما أن عزل الجهاديين سياسياً يفاقم من تعقيد الوضع السياسي في هذا البلد الذي مزقته الحرب. وأعتقد أن الحوار مع جميع الأطراف بما فيهم الجهاديون هو أساس أي حل في سوريا. لا أريد تكرار تجربة المجاهدين العرب في أفغانستان وقمعهم وإقصائهم بوحشية والاعتداء عليهم بصورة مروعة وتشريد عائلاتهم، أيضاً واجه المجاهدون العرب في البوسنة والهرسك مصيراً قاتماً بدل مشاركتهم على الأقل في العيش في البلد الذين أتوا للقتال من أجله.

الإسلام السياسي ومستقبل سوريا

* من الناحية السياسية، ما هي رؤيتك الشخصية للإسلام السياسي؟

** يواجه الإسلام السياسي إقصاء كبيراً وحالة قمع منظمة في عدد من الدول العربية، وأعتقد أنه الواجهة الوحيدة والنافذة السياسية الباقية في الوطن العربي بعد انهيار البعث العراقي واحتضار البعث السوري وانحسار الاحزاب القومية والشيوعية والماركسية وبقية الأحزاب والاسماء غارقة في التبعية والفساد.

* ما هي رؤيتك لمستقبل سوريا خاصة أنك عاينت شخصياً وضع المناطق في شمال البلاد بشكل مباشر؟

** لقد تحدثت مع جميع الاطراف المعارضة باستثناء النظام لذلك ستكون الصورة ناقصة دون التحدث معه. لكن مستقبل سوريا يحدده أبناء البلد عبر السياسة والإعلام والوعي والفكر السياسي والإصلاح الاجتماعي الذي لا يمكن ان يتم إلا بأن يكون القرار سورياً مستقلاً، فالبلد يواجه التقسيم وفعلياً هناك أربع مناطق بعد إعلان الدولة الإسلامية، إذ أن الجماعات الكردية هي الأخرى تقوم بأعمال الدولة دون الإعلان الرسمي عنها فلديها مناهجها الخاصة ونظامها المستقل ومؤسساتها الخاصة وحدود ونقاط عبور وجيش وشبة حكومة، كما أنها تفرض التجنيد الإجباري. إن حجم التدخلات الخارجية يفوق بساطة الشباب الذين قاموا بالثورة لذلك إن مستقبل سوريا لا يبشر بالخير إذا لم يعد هؤلاء الشباب بقوة الى الساحة من جديد.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024