بياض "النهار".. إستسلام مبكر!

نذير رضا

الخميس 2018/10/11
لم يبدد الصدمة التي ظهرت على صفحات جريدة "النهار" صباح اليوم، سوى صدمة أخرى، ثبتها المؤتمر الصحافي الذي عقدته رئيسة مجلس ادارة جريدة "النهار" - رئيسة التحرير نايلة تويني. بددت تويني كل التوقعات عن "أزمة مالية" أصيبت بها "النهار". ونفت كل التقديرات عن أن المسألة مرتبطة بواقع الصحافة الورقية. ما كشفته، كان صادماً، وأرادت منه تحقيق صدمة، سمتها "نقطة تحول"، و"ناقوس خطر تجاه الأزمات". 

القراءة الأولية لخطوة "النهار"، تفيد بأنها لا تحمل مؤشرات واقعية على احتفاظ الصحافة اللبنانية، و"النهار" تحديداً، بقدرتها على التأثير. التأثير في المشهد السياسي، والضغط على السياسيين، وتحفيز الأطر الشعبية والكيانات المستقلة لتشكيل ضغط على السلطة.
في الشكل، تبدو استسلاماً لواقع مزرٍ، سجلّت "النهار" بموازاته موقفاً، وقرعت ناقوس الخطر. لكنه في المضمون، يُخشى أن يكون استسلاماً، أو إعلان هزيمة مبكرة لـ"السلطة الرابعة" في لبنان. 

والصحافة في لبنان، تاريخياً، لطالما مثلت رأس حربة وطنية في الأزمات الداخلية، أو في الحروب التي خاضها لبنان، بدءاً من معركة الاستقلال، وصولاً الى المنعطفات الكبرى التي تمثلت في 14 آذار 2005. ولطالما كانت "النهار" جزءاً رئيساً في هذه المعارك. خاضها كتّاب الصحيفة ورؤساء تحريرها بالوكالة عن الشعب الذي تضامن، وواكب تحركات "النهار" لتحقيق إنجازات وطنية كبرى. 

وفيما يصعب سرد مراحل التأثير البارزة لجريدة "النهار" في أسطر قليلة، يكفي تذكر اعتقال رئيس تحريرها الأسبق، الراحل غسان تويني، واستشهاد رئيس تحريرها السابق جبران تويني دفاعاً عن الكلمة الحرة. كما يكفي تذكر استدعاء الكاتب ميشال ابو جودة قبيل حرب تشرين 1973 للجلوس مع الرئيس المصري الراحل أنور السادات، بعد مقال له توقع فيه الحرب العربية ضد اسرائيل، ليظهر حجم تأثير الصحيفة وكتّابها في المشهد العربي والمحلي اليومي. 

هذا الدور التاريخي لـ"النهار"، من المحزن أن يتحول الى ما يشبه الاستسلام. صحيح أن الصمت موقف، بدليل التفاعل السياسي اليوم مع خطوة "النهار" والأثر الذي تركته، لكنه يخالف عُرف الجريدة، وتاريخها، وتجربتها في ارساء ثقافة الثورة والتعبير بحرية، والتأثير في مسارات السياسة الداخلية أو العربية.

فالصمت، عُرفاً، هو لغة العاجزين، وليس لغة الثوار. وهو آلية تمهد للانزواء (وهذا ليس في أعراف النهار بتاتاً). كما أنه، على النقيض، آلية تماثل استراتيجيات شركات الاعلانات، للإعلان عن حدث، والترويج له، وهو ما لا ينطبق على الدور المفترض بالسلطة الرابعة، وتحديداً "النهار"، بالقيام به، كونها محركة جماهير، ومحفزة على ثورة، وقادرة على التغيير في المشهد السياسي. 

ومع أن الخطوة قرعت جرس إنذار سياسي، إلا أنها لا تتخطى كونها تسجيل موقف. لم تبدل شيئاً في الوقائع. لا في عملية تشكيل الحكومة والصراع على الحقائب الوزارية فيها، ولا تنقذ البلد من تدهور اقتصادي يتخوف منه جميع المسؤولين. لذلك، هي اشبه بانسحاب من دور، وهو ما لم تعرفه "النهار" منذ صدروها. كما أنه من الاستحالة الاعتقاد بأن "النهار" عاجزة عن التغيير، بالنظر الى انها ما زالت الخيار الورقي الأول للسياسيين والباحثين والعاملين في الشأن العام، وتتصدر حزمة الصحف الورقية التي ما زالت تصدر في بيروت صباح كل يوم. 

هل تفتقد النهار للكتاب والمؤثرين؟ بالتأكيد لا. تثبت أرقام الاشتراكات الالكترونية أن الناس تحتاج الى "النهار"، وتفضلها كخيار صحافي يجب التمسك به. وانطلاقاً من هذا الواقع، يجب التأكيد بأن القدرة على التأثير ما زالت متوافرة. لذلك، كان الأجدى بالصحيفة اللجوء الى الخيار الآخر. خيار الانتفاضة بالقلم، وتقديمه على الصمت. مجرد صياحها، هو اعلان لـ"نهار أبيض بوجه الظلمة". خلافاً لذلك، ربما يُقرأ على انه عراضة لتسجيل موقف، تدرك الصحيفة وكتابها الضالعون في تحليل الواقع السياسي اللبناني بأنه غير مؤثر وغير مُجدٍ، إذا ما قورن مع حجم التأثير المفترض بـ"النهار" المبادرة اليه. 
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024