خطاب حزب الله التخويني.. كيف يواجهه المجتمع المدني المعارض؟

قاسم مرواني

الثلاثاء 2021/02/23
وجد جمهور "حزب الله" نفسه، بعد اغتيال الكاتب والباحث لقمان سليم، في موقف محرج، وردّ على متهميه بتحمل مسؤولية مباشرة أو معنوية عن الاغتيال على خلفية اتهامات سليم لمناصري الحزب بتهديده في العام الماضي، باتهام منتقديه بـ"العمالة". وصار التخوين خطاباً كاملاً متكاملاً وممنهجاً للجيوش الالكترونية والأفراد في السوشال ميديا. ولذلك، وجد متلقّو هذه السهام أن عليهم الردّ بخطاب متكامل أيضاً، يعبّر عنه، ويوضح أفكارهم. وصارت ضرورية محاولة فكفكة الخطابين وفهمها.

طاولت الانتقادات منظمات المجتمع المدني والتنظيمات السياسية المناوئة للحزب التي أصدرت بياناً شديد اللهجة، عقب اغتيال سليم، وهي جزء من الانتقادات عالية السقف التي تصدر عن شخصيات مجهولة، لكنها تُعدّ من مناصري الحزب، عند كل منعطف سياسي أو أمني. هذا على الرغم من أن هذه التنظيمات والمجموعات، وبصرف النظر عن عدم توافقها مع سياسة حزب الله وسلاحه، عبّرت في محطات عديدة عن مواقف وطنية واضحة ضد اسرائيل، منها ما ورد في تقرير كامل عن الأحزاب المعارضة صدر في صحيفة ١٧ تشرين.

"أنا خط أحمر": الحزب أقوى عناصر هذه السلطة
يعتبر وضاح الصادق، أحد مؤسسي مجموعة "أنا خط أحمر"، في حديث لـ"المدن" أن الاتهامات بالعمالة تعكس "خبثاً سياسياً" يستعمله الحزب في التعاطي مع خصومه، فكيف يكون "مسموحاً لحليفه جبران باسيل التصريح بحق اسرائيل في العيش بسلام وأمن، بينما يتهمنا بالعمالة لمجرد أننا تحدثنا إلى دول صديقة للبنان؟". 

يوضح الصادق أن خلفية الصراع مع "حزب الله" ليست بسبب سلاحه فقط، فالمشكلة هي مع طبقة سياسية حولت البلد إلى شبكة فساد استفاد منها كل من شارك بالسلطة، سواء عبر توظيفات نفعية لأهداف انتخابية من دون أن تساهم في نمو البلد، أو عبر السرقات وغيرها، معتبراً أن حزب الله "أقوى عناصر هذه السلطة". ويقول إن اتفاق مار مخايل، كما الاتفاق مع سعد الحريري لاحقاً، "كان هدفه تقاسم البلد وحماية النظام، حيث غض حزب الله نظره عن الفساد وفي المقابل غض الآخرون نظرهم عن سلاحه، وبالتالي نحن نعتبر حزب الله شريكاً أساسياً في السلطة". 

ويطرح الصادق تساؤلات عديدة حول "أهداف هذا السلاح الذي يقدمه حزب الله على أنه سلاح مقاومة في حين أنه استخدم في الداخل اللبناني مرات عديدة للتأثير في القرار السياسي". وأضاف: "كان أمين عام الحزب قد أعلن صراحة أن السلاح والمال والدعم كله إيراني، فماذا سيكون موقف حزب الله، مثلاً، في حال تعارضت مصالح إيران ولبنان؟"

يصنف حزب الله الدعوات لنزع سلاحه ووضعه تحت إمرة الدولة، كخدمة لاسرائيل، ويتهم أصحابها بالعمالة. ويرد وضاح الصادق على هذه الاتهامات "اسرائيل دولة عدوة، اغتصبت أرضاً عربية وهجّرت شعبها، هذا واقع لن يتغير، لا اليوم ولا غداً". ويعتبر الصادق أن الخلاف مع حزب الله "ليس في اعتبار اسرائيل عدوة، وهو امر مفروغ منه، بل في استراتيجية مواجهتها وكيفية حماية لبنان منها". فالسلطة الحالية بحسب الصادق "خدمت إسرائيل عبر تدمير لبنان اقتصاداً ومجتمعاً"، مضيفاً: "شعب جائع لا يمكنه المقاومة، وهذه السلطة عبر سياستها أضعفت المقاومة في لبنان". 

يزعم حزب الله أن الجيش اللبناني عاجز عن محاربة اسرائيل وأن الاستراتيجية المتبعة من قبل الحزب هي الوحيدة القادرة على خلق نوع من توازن القوى. يرد وضاح الصادق بالقول: "حزب الله مؤلف من مواطنين لبنانيين، وكما استطاعوا إنشاء جيش قادر على مجابهة اسرائيل فالجيش اللبناني قادر على ذلك أيضاً"، ويضيف: "نحن نؤيد اتفاق الهدنة تحت اشراف دولي ونؤمن بأن السلاح وحده غير قادر على محاربة اسرائيل المتفوقة عسكرياً وعبر علاقاتها الدولية، بل نحن بحاجة إلى بناء جيش قوي، إنشاء علاقات قوية مع المجتمع الدولي بعد أن تسببت سياسة حزب الله بعزل لبنان عن العالم، ومن دون بناء اقتصاد قوي وتحقيق وحدة وطنية فإننا لن نستطيع الصمود بوجه العدو الاسرائيلي". 
 
ويختم الصادق بأن هناك خوفاً مستقبلاً من تغيير في وجه لبنان وثقافته يغذيه عدم وضوح نوايا حزب الله، وفشله في التعاطي مع الأزمة. ويقول: "لبنان بلد يتعرض لتدمير قطاعاته المنتجة السياحية والطبية والتعليمية ولتهجير طاقاته الشبابية ولم نشعر أن لدى حزب الله سياسة للحفاظ على موقع لبنان، بل دعا إلى التوجه شرقاً مع كل يعني ذلك من تغيير أساسي في بنية الاقتصاد والمجتمع والدور الذي لعبه لبنان منذ نشأته". وتلك، بحسب الصادق، "ليست مسؤولية حزب الله فقط بل مسؤولية السلطة مجتمعة حيث يشكل الحزب المساهم الأكبر بها". 

"لحقّي": المواجهة مع الحزب غير عادلة
ولا يختلف موقف تنظيم "لحقي" السياسي عن موقف "أنا خط أحمر" إذ يعتبر التنظيم أن اسرائيل كيان محتل وعنصري، وأن لا تطبيع ولا اعتراف به. ويطرح "لحقي" وضع استراتيجية دفاعية تحت سلطة وإدارة الدولة، وتحصين بنية المجتمع اقتصادياً واجتماعياً لتمكينه من المواجهة".


في حديث لـ"المدن" مع اللجنة الإعلامية في تنظيم "لحقي"، اعتبرت اللجنة أن لحزب الله مساهمة فاعلة في إنجاز التحرير العام 2000 لا يمكن إنكاره، لكن هذا الانجاز لم يترجم في بناء منظومة دفاعية لبنانية عابرة للطوائف والانقسامات، بل تحولت المقاومة، بعدما جيَّر الحزب إنجاز التحرير لمصلحة محور إقليمي، من مشروع ذي أفق وطني جامع إلى فئوي ينقسم حوله اللبنانيون. 
ورأت اللجنة أن احتكار حزب الله تعبير المقاومة، واستخدامها كأداة سياسية، وأهم من ذلك إعلامية، ووسيلة للتخوين وتصنيف الناس، فضلاً عن تأسيسه لمنظومة سياسية واقتصادية وأمنية وثقافية واجتماعية، جعلت منه حزباً سياسياً مع ذراع عسكرية، والإثنان يرفدان إعلامه، فأصبحت المواجهة معه غير عادلة، كما أن وضعية حزب الله الملتبسة تضعف من شعبية المواجهة مع اسرائيل. 

تضيف اللجنة إن "التماهي الكامل الذي فرضه حزب الله في خطابه السياسي بين المقاومة والحزب حتى أصبح المفهومان يُستخدمان كمترادفين، سهّل خطاب التخوين، فكل من هو ضد الحزب يصبح ضد المقاومة ومؤيد لإسرائيل، في نظر جمهور الحزب، وفي هذا استباحة للناس وتمهيد للعنف والقتل". كما يعمل الحزب "على الارتقاء بذاته وصورته فوق السياسة والرأي في لبنان، أي إلى مصاف المقدسات". 
وتتابع: "هذا الصنف من التعالي والفوقية ومحاولة الهيمنة على الآخر وفرض مقدسات من دون النقاش فيها، جعلت أي خصم في لغة الحزب وجمهوره، خائناً، وهو بالتالي مباح الدم. نحاول مواجهة هذه السلوكيات عبر فضحها وعبر محاولة نقل هذا النقاش للرأي العام".

تشكل حالة حزب الله، بالنسبة للجنة الإعلامية، خروجاً عن مفهوم وبنية الدولة الحديثة، من حيث حصرية احتكار الدولة  للقوة. هذا الخروج يمهد الطريق لحالات مشابهة من الخروق من قبل جماعات سياسية و/أو طائفية أخرى. وقد يكون من مصلحة الحزب نفسه استمرار هذا الحال من اللادولة وربما يفاقمها، لكنه حتماً ليس في مصلحة أبناء المناطق التي يسيطر عليها ويحتكر تمثيلها السياسي.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024