جندي يقبّل تمثال حافظ الأسد: الولاء لبشار وفاءً لوالده

وليد بركسية

الأربعاء 2019/01/09
لا تشكل الصورة المتداولة لجندي في جيش النظام السوري، وهو يقبّل يد تمثال الرئيس الراحل حافظ الأسد، طقساً جديداً للخضوع في "سوريا الأسد"، بل هي تصرف فردي يعكس الزخم الذي مازال الأسد الأب يتمتع به في البيئة الموالية للنظام، بعد وفاته بـ19 عاماً، ومدى نجاح بروباغندا "الأسد للأبد" في صياغة شكل البلاد طوال عقود.


وتناقل ناشطون معارضون وصفحات موالية، صوراً للجندي، ويدعى، بحسب المعلومات المتداولة، زين وسوف، وهو يقبل يد التمثال في حي الجميلية بحلب، من دون الإشارة لتاريخ محدد لها. لكن ربط الحادثة بزاوية دينية عبر القول أنها تمثل انتشار "عبادة الأًصنام" في مناطق النظام، حسبما كررت بعض التعليقات في مواقع التواصل، قاصرة وغير دقيقة، فالتماثيل التي يشيدها النظام لرموزه والصور التي ينشرها في كل مكان لهم، لا تقصد تأليههم بقدر ما تشير لملكيتهم للبلاد، وكأنها إقطاعية كبيرة لا أكثر.



والحال أنه في سنوات الثورة الأولى، كان تحطيم تماثيل حافظ الأسد وتمزيق صور ابنه بشار، طقساً ضرورياً لكسر هالة العائلة الدموية التي حكمت البلاد ونشرت الخوف في نفوس السوريين طوال عقود. لكن المشهد اليوم يبدو مختلفاً بعد انحسار الحرب في البلاد، وعودة النظام لتدوير شعاراته القديمة، ومن ضمنها التماثيل التي أعاد نصبها في المدن التي استعاد السيطرة عليها، مثل حلب ودير الزور، علماً أن النظام سارع قبل سنوات إلى إزالة الكثير من التماثيل من الساحات العامة، خوفاً من تحطيمها من قبل المتظاهرين.

ويجب القول أن الصورة مهينة للكرامة البشرية فعلاً، حتى لو كانت مبادرة ذاتية من دون أن تكون بأوامر مباشرة أو بتهديد السلاح، مثلما هو الحال في مقاطع الفيديو التي أجبر فيها الكثير من المدنيين في مناطق معارضة على تقبيل صور بشار الأسد والركوع أمامها من قبل عناصر جيش النظام، خلال السنوات الماضية، وهو تكتيك استخدم على نطاق واسع لنشر الخوف من جديد في نفوس المدنيين، في محاولة للحد من انتشار الثورة السورية.

ولعل هذه الطوعية في الصورة الجديدة، هي التي تعطي المعنى الديني للصورة، بالقول أن تقديس الأسد ديانة غير رسمية للنظام، والتي تحيل بدورها إلى طقوس عبادة الأموات في الكثير من الحضارات، بما فيها الحضارات العربية القديمة، عندما كان مؤسس كل قبيلة، هو ربها في آن واحد. وبهذا يصبح من المنطقي إطلاق تسمية "القائد المؤسس" على حافظ الأسد، وهي التسمية التي بات الإعلام الرسمي وشبه الرسمي، يطلقها على حافظ الأسد، الذي استولى على السلطة في البلاد العام 1970 بانقلاب عسكري، وفرض حكماً بوليسياً وحشياً، حتى وفاته وتسليم السلطة لابنه بشار العام 2000.

ولا مفاجأة في أن النظام يركز على إعادة سيطرته على الفضاء الرمزي في البلاد، بدلاً من الالتفات لجهود أكثر أهمية، سياسياً وخدمياً واقتصادياً، علماً أن حافظ الأسد يحمل حضوراً ثقيلاً في الدعاية الأسدية المعاصرة، وخصوصاً في البيئة العلوية التي يعتبر فيها الشخص الأسطوري الذي مكن الطائفة بعد كثير من التهميش. وبالتالي، تصبح استعادة حافظ رمزية ضرورية لخلق سياق الوفاء للسلطة المستمرة، والتي بدورها تضمن استمرار المصالح في تداخل بين الطائفية والنفوذ، وعليه فإن الصورة لا تعكس استحقاراً لبشار بتقديس والده، مثلما أشارت بعض التعليقات، بل هي ولاء لبشار وفاءً لوالده.

وطوال سنوات الثورة السورية، كان هناك ظل ثقيل لحافظ الأسد في مواقع التواصل، حيث كانت هنالك الكثير من المقارنات بين كيفية إدارة بشار لـ"الأزمة" وبين ما كان والده سيفعله، وكان القصد من ذلك التشكيك بأولوية بشار لقيادة الدولة الأسدية، لكن النظام ببراعة تمكن من تحويل تلك الدعاية السلبية لصالحه، عبر تعويم رمزية الأب المؤسس، كي تخلق سياق الاستمرارية التي تطلب رد الدين له بالولاء لابنه، وبدا ذلك بشكل واضح في حالة التهديدات الأميركية بقصف النظام السوري، في فترات مختلفة، آخرها في نيسان/أبريل الماضي عندما تم نشر خطابات حافظ الأسد كرمزية للصمود.

وهكذا تقول الصورة أن بحث النظام عن جذر أسطوري له، في شخص الأسد الأب، لخلق مزيج التقديس والولاء، ينجح في البيئة الموالية، وتحديداً في الساحل السوري. علماً أن صناعة البروباغندا الأسدية تفترض الأبدية والدوام في السلطة، وعليه يبدأ الضخ الإعلامي من الأب نحو الابن ومنه إلى الحفيد الذي يربط دائماً بجده، من ناحية الاسم ومن ناحية دفعه للواجهة الإعلامية والترويج لاستلامه السلطة بعد والده، في مناسبات مختلفة أيضاً.

رغم ذلك، لا يعني استمرار شعار "الأسد إلى الأبد" في تدوير نفسه كسردية وحيدة لدى النظام، أنه السردية الوحيدة في البلاد. فالنظام يحكم سوريا مختلفة عن سوريا التي حكمها سابقها، والبلاد باتت كانتونات مجزأة بديموغرافيات متصارعة ومشتتة، بفعل مآلات الحرب، والنقمة المتجددة على النظام العاجز عن تقديم حلول سياسية تنهي كل المظالم في البلاد، باتت تبرز في درعا وحمص ومواقع التواصل، والسوريون المعارضون مازالوا موجودين ويعبّرون عن أنفسهم هنا وهناك في تحدٍّ لتلك السردية التي تبحث عن تحويل السوريين إلى عبيد لشعار مظلم مرة أخرى.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024