الهجوم على كلودين عون ومسار العنصرية اللبنانية

المدن - ميديا

السبت 2019/06/01


حجم الاستهداف الذي تعرضت له رئيسة الهيئة الوطنية لشؤون المرأة كلودين عون روكز، بعد كلمتها في المؤتمر الصحافي حول مشروع القانون الذي يتيح للأم اللبنانية نقل جنسيتها لأولادها، يكشف بما لا يحمل الشك ان مشاعر الخوف من الآخر، تتنامى، وان العنصرية باتت نهجاً لا يحتمل أي انكار، وان أي خطوة تصحيحية لمسار انعزالي، سيضع التيار الوطني الحر، والبلد بأكمله، تحت ضغط شعبي غير مسبوق قد يهدد القاعدة الشعبية للتيار. 


اقتطعت رئيسة الهيئة عبارة من كلمتها في المؤتمر الصحافي ونشرتها في صفحتها في "تويتر"، قالت فيها:  "لا تلقوا على نساء لبنان مسؤولية الحفاظ على التوازنات الطائفية، وللإجراءات الضرورية أن تطبق على النساء كما على الرجال". 

ثارت ثائرة بعض المسيحيين بشكل فجّ، فتعرضت للانتقاد، والرفض، واتهمت بالترويج لمشروع "توطين" و"تغيير ديموغرافيّ". 

افتتح عميد معهد العلوم السياسية في جامعة الحكمة الأب كميل مبارك الردود، وكتب في "تويتر" رداً على تغريدة السيدة كلودين:" غلطانة انت ايتها السيدة المحترمة ، فما تطلبينه جريمة بحق الهوية اللبنانية ، ولا يجوز اطلاقًا استبدال شعب بشعب آخر مهما كانت الاسباب ، فالعدالة شيء وتخريب الوطن شيء آخر". حاولت احتواء الجدل، وقالت "إن الهيئة الوطنية لشؤون المرأة تدعوكم الى لقاء قريب نتبادل خلاله الأفكار والطروحات ونستعرض الوقائع". بهذه الدعوة، تم تحييد النقاش عن مواقع التواصل، وأعيد الى الغرف المغلقة. 

لكن هذه المحاولة لم تنسحب على رواد مواقع التواصل الذين واصلوا الرد، وأظهروا انقساماً وسط رأي راجح لمصلحة الاب مبارك. فقد حازت التغريدة على علامات إعجاب تتخطى ما حازت تغريدة السيدة كلودين. وتحتها، عشرات الردود، ليس أقلها: "الانفتاح القاتل غير مقبول"، و"لا لمشروع التوطين وتغيير الديموغرافيا تحت شعار حقوق المرأة. غير مرغوب به وسيقسم البيت الواحد"، و"روقي مش وقت هيدا القانون عنا ٣٠٠ الف طفل سوري عم يخلقوا على ارض لبنان. المرأة اللبنانية يللي اخدت سوري او فلسطيني ما كانت سامعة بالقانون ما كانت عارفة وين رايحة اسمحيلنا فيها هلق". 

وكتبت أخرى: "مشروع يحمل في طياته توطينا" مقنعا"، هذا التوطين الذي ناضلنا سنين عمرنا لمنعه مع فخامة الرئيس هناك الكثير من الغرابة بطرحه من قبلكم بالذات واعتقد أن السبب معروف". 

وكانت رئيسة الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية كلودين عون، قدمت الى رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري مشروع قانون يرمي إلى تعديل وإضافة مواد إلى قانون الجنسية اللبنانية لجهة إقرار حق المرأة اللبنانية المقترنة بأجنبي بنقل جنسيتها لأولادها.

وقالت في مؤتمر صحافي: "هذا القانون يحترم مبدأ المساواة ويعطي للقاصرين الحق في نيل الجنسية اللبنانية مباشرة، ويعطي الراشدين الذين تجاوزوا سنّ الـ18 سنة ولديهم شخصية قانونية مستقلة، الحق في طلب الحصول على هذه الجنسية خلال فترة 5 سنوات إذا ما استوفوا بعض الشروط، مع حصولهم خلال هذه الفترة على بطاقة خضراء تمكنهم من الاستفادة من الحقوق المدنية والاقتصادية. وبالتالي، لا يميز هذا المشروع بين الإخوة، إنما يأخذ في الاعتبار المخاوف والهواجس المتعلقة بضرورة المحافظة على أمن الدولة".

ودعت الى "التفريق بين حق المرأة الطبيعي في نقل جنسيتها لأولادها، انطلاقا من مبدأ المساواة الذي ينصّ عليه الدستور اللبناني، وبين التوطين، وبين التجنيس".

  ما وصل اليه الحال، ناتج عن مسار يتحمل مسؤوليته بعض من هم في السلطة أصلاً، الذي مارسوا التحريض والتخويف طوال السنوات الماضية، حتى بات جمهورهم على قناعة بأن أي إجراء لن يستطيع أن يحمي وجود المسيحيين، الذين يتناقص عددهم نتيجة الهجرة وعوامل ديموغرافية أخرى، وبالتالي، وهو ما يثير قلقاً شعبويا على الوجود. 

هي لعبة السلطة والأتباع إذن. ما بات رائجاً، يجعل من اللافتات التي تنتشر في مناطق مسيحية ضد العمال الاجانب، نتيجة طبيعية للمسار القديم، وتعبيراً عن توجهات الطبقات الشعبية المشبعة خوفاً من الآخر. فقد انتشرت صورة للافتة من فاريا، تعلن فيها البلدية عن منع العمال الاجانب من التواجد على اوتوستراد البلدة ليلا ونهاراً، او التجول عليه. 

بات واضحاً أن الممارسات الشعبوية التي يقوم بها بعض المسؤولين ضد السوريين وغيرهم، تكاد تفقدهم السيطرة على بيئاتهم التي جرت تعبئتها بالتخويف من "الآخر". لذلك، لا تُحسد الاحزاب المسيحية على مواقفها، فمن يريد منها البقاء سياسياً، سيمعن في عنصريته، ليبقى مقبولاً لدى محازبيه.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024