"حصة الحقيقة": آلة كشف الكذب تترصد السياسيين الأتراك

جو حمورة

السبت 2015/12/26
"السياسيون يكذبون"، بهذه المفردات الشهيرة يمكن اختصار رد معظم الناس عند سؤالهم عن رأيهم بالسياسيين. ولا تقتصر مسألة ربط رجل السياسة بصفة الكذب بدولة دون أخرى، أو بمجتمع دون آخر، بل تبدو ظاهرة أقرب إلى العالمية.


لا يختلف الواقع التركي كثيراً عن دول العالم. فالكذب وندرة الدقة في تصريحات المسؤولين باتت أقرب إلى منهج يومي لممارسة العمل السياسي من مجرد هفوات بسيطة. غير أن تعميم صفة الكذب على السياسي من دون تقديم البراهين العلمية على ذلك، لا يقل ضرراً عن الكذب نفسه، كما تقترب إلى الإفتراء أكثر من إقترابها إلى التصويب.

في حزيران (يونيو) 2014، قرّرت مجموعة من الأتراك الناشطين في المجال الإعلامي الانتهاء من هذ الجدل وتقديم البراهين على كذب السياسيين. فكان إنشاء موقع "حصة الحقيقة" الإلكتروني ليكون "صوت المجتمع المدني الهادف إلى زيادة نسبة المحاسبة للسياسيين حول تصاريحهم"، بحسب أحد مؤسسيه "بايبارس أورسك".

وعلى مدى سنة ونيف، عمل الموقع المُنشئ بمبادرة من "جميعة صبانجي" على الكشف عن عدد كبير من الأكاذيب التي أطلقها السياسيون الأتراك. ففحص، حتى اليوم، 530 تصريحاً لـ167 نائباً ووزيراً ورئيساً تركياً فوجد أن 24 في المئة منها دقيق فقط. وتشي هذه النسبة المنخفضة للمعلومات الدقيقة في مضمون تصاريح السياسيين إلى الكم الهائل من التضليل الذي يتعرض له الجمهور نتيجة العشوائية في التصريحات والمعلومات المطلقة على المنابر الإعلامية.

ويتميّز موقع "حصة الحقيقة" بتقديم الدلائل والبراهين على الأكاذيب التي يكشفها، ويعتمد على مجموعة من الباحثين وطلاب الجامعات من أجل دحض أقوال السياسيين علمياً. كما يقدّم الموقع على صفحاته تصنيفات لمدى الصحة والدقة لتصاريح السياسيين كل على حدة، بالإضافة إلى روابط تصوّب الأخطاء علمياً، وإثبات عدم الدقة عند اكتشافها، وأخرى تضع إشارات ايجابية إن كان تصريح السياسي صحيح ودقيق.

ويهتم الموقع بالتصاريح ذات العلاقة بالشؤون الاقتصادية والاجتماعية أكثر من اهتمامه بتلك المتعلقة بالشؤون السياسية. ومرد ذلك يعود لأن إثبات كذب السياسي أو حقيقة تصريحه بحاجة إلى أرقام للاتكال عليها وإجراء البحوث حولها، فيما الأمر غير متوفر في حالات التصريحات الخالية من الأرقام والمتعلقة بآراء السياسيين الخاصة.

فعندما قال وزير الداخلية، أفكان آلا، أن نسبة مشاركة المرأة من مجمل القوى العاملة كانت 45% في العام 2014 صحّح له "حصة الحقيقة" بأن النسبة هي 31.1 في المئة. وكذلك فعل مع وزير العلوم والصناعة والتكنولوجيا التركية "فكري إشيك" بعدما صحّح قوله الذي اعتبر فيه أن كمية الوظائف زادت 1.5 مليون وظيفة في الفترة الأخيرة. وفي الحالتين، اعتمد الموقع الإلكتروني على إحصاءات علمية نشرها "المعهد التركي للإحصاءات" التابع للدولة كما على دراسات وإحصاءات نشرتها مؤسسات تصنيف ومراكز أبحاث عالمية.

من ناحية أخرى يعمل الموقع على رصد الوعود التي قدمتها الأحزاب في برامجها قبل الانتخابات والإضاءة على تلك التي تم تنفيذها في الوقت المحدد لها، وتلك التي لم يتم تحقيقها. كما يسعى الموقع حالياً إلى زيادة كوادره وتوسيع نشاطاته والإضاءة على كمية كبيرة من التصريحات التي أطلقت في الماضي من قبل رؤساء الجمهوريات والحكومة والأحزاب. ومرد ذلك يعود إلى أن الموقع بدأ يأخذ شهرة في تركيا ويتصفحه آلاف الأتراك يومياً وبات مرجعاً لانتقاد المسؤولين أو الثناء عليهم، بالإضافة إلى "بروزه كموقع محايد خلال الانتخابات التركية السابقة" حسب أحد مؤسسيه "فردي أوزوي".

ويتيح الموقع لكل متصفح التأكد من صحة أقوال السياسيين الموالين كما المعارضين، بالإضافة إلى اقتراح على مديريه التدقيق في تصريح معيّن. الأمر الذي يجعل من كل رجل سياسة تركي في مرمى الجمهور والإعلام الإلكتروني، وعرضة للمساءلة أو الثناء، كما يضع ساسة تركيا أمام دعوة عامة لتوخي الدقة والحذر عند الكلام على المنابر الإعلامية.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024