العالَم يقضي وقتاً أطول في مواقع التواصل.. ويكتئب

المدن - ميديا

الثلاثاء 2019/09/10
توصلت دراسة جديدة إلى أن الوقت الذي يقضيه المستخدمون في مواقع التواصل الاجتماعي، على مستوى العالم، ارتفع بنحو 60 في المئة في المتوسط على مدى السنوات السبع الأخيرة.


وحللت مؤسسة "غلوبال ويب إندكس" البحثية في لندن، بيانات 45 دولة من أكبر دول العالم في "أسواق الإنترنت"، ورأت أن الوقت الذي يكرسه كل شخص لمواقع التواصل الاجتماعي أو تطبيقاتها، ارتفع من 90 دقيقة يومياً العام 2012، إلى 143 دقيقة خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام 2019، حسبما نقلت هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي".

وثمة تفاوت كبير في الاستخدام على المستويين الإقليمي والوطني: ففي أميركا اللاتينية، حيث العدد الأكبر من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي عالمياً، يبلغ متوسط الوقت المَقضي يومياً 212 دقيقة. في المقابل، فإن المعدل الأدنى إقليمياً، في الوقت المَقضي في وسائل التواصل الاجتماعي، هو في أميركا الشمالية (116 دقيقة)، بينما يتصدر الفلبينيون لائحة الشعوب التي تقضي أكثر الأوقات في مواقع التواصل الاجتماعي، بمعدل 241 دقيقة يومياً، مقارنة بـ45 دقيقة فقط في اليابان.

وربما كان المفاجئ في الأمر أن تحليل بيانات نحو 1.8 ملايين شخص، كشف أن الأوقات المنقضية على وسائل التواصل الاجتماعي ظلت في معدلاتها أو تناقصت، في نحو نصف تلك الدول (20 دولة). وتقول "غلوبال ويب إندكس" أن البيانات تشير إلى أن "العديد من مستخدمي الإنترنت باتوا ينتبهون إلى الوقت الذي يقضونه في منصات وسائل التواصل الاجتماعي".

وقال مدير قسم الاتجاهات الرئيسية في المؤسسة، تشيس باكل: "بات مستخدمو الإنترنت يقضون أكثر من ست ساعات على الشبكة يومياً، وثلث هذا الوقت مكرّس لوسائل التواصل الاجتماعي. وبات معدل التصفح اليومي لوسائل التواصل الاجتماعي، موضوعاً له أهميته، وتُعدّ المدة التي نقضيها في تلك المنصات يومياً إحدى أهم وسائل قياس هذا النشاط، وقد ساعد التطور الذي تشهده الهواتف الذكية في سهولة رصْد ذلك الأمر".

ومن بين الدول التي شملتها الدراسة، سجلت تايلاند أكبر تراجُع في معدل استخدام وسائل التواصل الاجتماعي يومياً، حيث هبط من 194 دقيقة العام الماضي إلى 171 دقيقة العام 2019. وفي فيتنام، هبط الاستخدام اليومي 10 دقائق مقارنة بالعام الماضي. كما شهدت كل من إندونيسيا وبلجيكا وغانا والولايات المتحدة تراجعاً حاداً في معدل استخدام وسائل التواصل الاجتماعي يومياً. إلا أن معدل الاستخدام في معظم الدول التي شملتها الدراسة، يسجل ارتفاعاً. وفي بعض هذه الدول كان هذا الارتفاع ملحوظاً.

إلى ذلك، يقضي المستخدم العادي في الصين الآن، في مواقع التواصل الاجتماعي، 139 دقيقة يومياً، بزيادة 19 دقيقة مقارنة بالعام 2018. أما في السعودية فقد زاد معدل زمن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي 14 دقيقة، وفي تركيا كانت الزيادة 13 دقيقة.

وقال باكل: "في آسيا، مشهد وسائل التواصل الاجتماعي مختلف، فثمة تطبيقات رائجة جداً تحظى بشعبية، وهي تطبيقات للتواصل الاجتماعي تتجاوز الدور الذي تقوم به هذه المنصات بالمفهوم الغربي. وعبر هذه التطبيقات يتسنى للمستخدمين التواصل مع أصدقائهم والقيام بمهام أخرى كثيرة كدفع فواتير، وحجْز غرف في فنادق، واستدعاء سيارة أجرة، ودفع ثمن سلع في متاجر".

وأضاف باكل: "في الصين، يهيمن تطبيق (وي تشات) على فضاء التواصل الاجتماعي، ويواصل التطبيق استقطاب المزيد والمزيد من الأنشطة، ما يعزز تمسك المستهلكين باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي للوفاء بمتطلبات احتياجاتهم اليومية".

ويبدو ارتفاع مدة الوقت المنقضي في وسائل التواصل الاجتماعي، مرتبطاً بتراكيب ديموغرافية بعينها، خصوصاً الفئات العمرية بين 16 و24 عاماً. وتقضي هذه الفئات أوقاتاً أكثر من غيرها يومياً على الإنترنت. وبحسب "غلوبال ويب إندكس"، فإن هذه الفئات استخدمت وسائل التواصل الاجتماعي يومياً بمعدل 180 دقيقة على الأقل العام 2018. وكلما كانت الفئة العمرية للسكان في دولة ما، أصغر، زاد معدل الوقت المنقضي في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في تلك الدولة، ولهذا فإن دول الأسواق الناشئة تتصدر هذا المضمار.

وعلق باكل: "مازال الشباب يمثلون الفئة الأعلى بين مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي مقارنة بالفئات الأخرى. والواقع أنهم سيظلون كذلك"، فيما يحذر الخبراء من أن قضاء وقت أطول على وسائل التواصل الاجتماعي والشاشات مرتبط بسلسلة من مشكلات الصحة النفسية.

وقالت آشلي وليامز، الباحثة في كلية "هارفارد" للأعمال: "بحسب الدراسة فإن الأشخاص الذين يقضون وقتاً أطول في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي هم أقل سعادة، وإن الاستخدام المفرط لهذه التقنية يمكن أن يورث مشكلات، قد تصل في بعض الحالات إلى الاكتئاب، وعمل حوادث، بل وحتى الموت".

وقد تمخضت هذه المخاطر المحتملة عن إطلاق تغييرات سلوكية، فضلاً عن صعود نجم تطبيقات رقمية معنيّة بخير وسلامة المستخدم، كتلك التي تحدّ من وقت التصفح أو تتتبّع مساره. وأظهرت دراسة "غلوبال ويب إندكس" أن "مدمني" استخدام وسائل التواصل الاجتماعي أكثر ميلاً إلى استخدام هذه التطبيقات الجديدة، بمن فيهم فئة الشباب.

وقال باكلي: "هذه التقنيات الرقمية المتطورة تساعد المستخدمين في تنظيم أوقاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي. ويعترف أكثر من ثلثي الفئة العمرية من 16 إلى 24 عاماً بوجودهم بشكل متواصل على الإنترنت، بينما يقول أكثر من ثلث هذه الفئة أن التقنيات تزيد تعقيدات الحياة. وثمة وعي واضح مازال قائماً بتأثير التطور التكنولوجي على حياتهم".

والحال أن حوالي 30 في المئة من المستخدمين تتراوح أعمارهم بين 16 و24 عاماً أظهروا، أكثر من أي فئة عمرية أخرى، ميلاً إلى استخدام التطبيقات المعنية بسلامة المستخدم، بحسب الدراسة.

ولا يوجد وقت مثالي رسمي للبقاء متصلاً بمواقع التواصل الاجتماعي. لكن للمرة الأولى، أصدرت منظمة الصحة العالمية في نيسان/أبريل الماضي أولى توصياتها الخاصة بقضاء الوقت على وسائل التواصل الاجتماعي والنظر في الشاشات، واستهدفت المنظمة الأطفال دون سن الخامسة.

وكشفت دراسة أجريت في جامعة بنسلفانيا في كانون الأول/ديسمبر الماضي عن أن قَصْر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي على 30 دقيقة في اليوم أثمر عن "تراجع ملحوظ في معدلات الشعور بالوحدة والاكتئاب" في مجموعة من 143 طالباً شملتهم الدراسة. لكن بعض الخبراء يعتقدون أن المسألة أكثر تعقيداً.

وعلق أندي شيبيلسكي، الباحث في معهد "أوكسفورد" للإنترنت: "وسائل التواصل الاجتماعي متنوعة تنوعاً هائلاً، فثمة مواقع مختلفة تطرح موضوعات مختلفة، ما يجعل من الصعب التعميم بشأن آثار وسائل التواصل الاجتماعي".

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024