ثقة "القسام" يقابلها غضب المستوطنين..ومسابقة الأغنية الاوروبية

أدهم مناصرة

الإثنين 2019/05/06


"لم نبدأ بعد".. رسالة مختزلة باللغة العبرية عملت كتائب "القسام" الذراع العسكرية لحركة "حماس" على تجسيدها فعلاً، وذلك في اليوم الثاني للتصعيد الميداني في قطاع غزة. فانطلق مباشرة بعدها وابل من الصواريخ باتجاه المستوطنات والبلدات الإسرائيلية، لتصيب وتقتل إسرائيليين وتدمر مركبات عسكرية ومبانٍ سكنية.

لعلها فرصة حاولت من خلالها "القسام" خاصة والمقاومة عامة أن تنتهزها لتسترد ثقة الشارع المحلي والإقليمي بها، وتكرس نفسها مجدداً كمعادلة لا يُستهان بها أمام إسرائيل والعالم، أملاً في تحقيق مرادها برضوخ الدولة العبرية لمطالبها في سياق تفاهمات التهدئة التي ترعاها مصر.

وحتى يتحقق ذلك، اعتمدت "القسام" أسلوب التدرج في خطابها الحربي بالترافق مع مستوى التصعيد وما يفرضه الميدان، فتحدثت، السبت، عن المرحلة الأولى للرد على القصف الإسرائيلي، بإطلاق صواريخ وقذائف على المستوطنات المحاذية في نطاق 5 إلى 7 كيلومترات، وحاولت ألا تؤدي إلى قتل أو إصابة إسرائيليين في البداية، حتى تقول إنها لم تصعد إلا مُجبرةً ودفاعاً لمّا صعد الإحتلال.

ثم بعد استشهاد فلسطينيين وتدمير سبعة مبانٍ ومنازل في اليوم الأول، أطلقت "الغرفة المشتركة" لفصائل المقاومة صبيحة الأحد، المرحلة الثانية من ردها، إذ تمثل بإطلاق صواريخ اتجاه البلدات الإسرائيلية الواقعة على بعد 40 كيلومتراً، وحاولت المقاومة بهذا الخطاب أيضاً أن تكرس معادلتها التي أطلقتها في جولات التصعيد السابقة، ومفادها "القصف بالقصف، والمبنى بالمبنى، والدم بالدم". إذاً هو خطاب موجه لأكثر من جهة، للداخل وإسرائيل، وحتى المجتمع الدولي.

الإعلام الإسرائيلي من جهته، عمل على استخدام تعبير "موجة التصعيد" دون استخدام تعبير "الحرب"، كدلالة على أن التصعيد الحالي ربما يستمر لساعات أو أيام أخرى ولكن دون أن يتطور إلى "حرب شاملة" حتى الآن. وفي السياق، تعنون صحيفة "يديعوت احرونوت" تحليلها الذي تصدّرها، الأحد: "في غزة يشدون الحبل كون نتنياهو يريد تهدئة".

ولم تُخف الصحافة الإسرائيلية في عناوينها، الحديث عن مُؤدّى صواريخ "القسام" و"سرايا القدس"، حيث تطرقت إلى إغلاق المدارس وتغيير حركة الحافلات والقطارات في المستوطنات والبلدات الإسرائيلية المحاذية لغزة، فضلاً عن فتح الملاجئ للمستوطنين للإختباء من صواريخ المقاومة. لكن بعض وسائل الإعلام العبرية حاولت إدراج هذه الإجراءات تحت بند "إجراءات الحماية" في ظل إصرار إسرائيل على"تأديب" حماس والجهاد، لا بسبب صواريخ غزة. 

ولم تخلُ مواجهة غزة من المزاودة الداخلية الإسرائيلية، فانتهز رئيس تحالف (أزرق ابيض) بني غانتس الفرصة لإنتقاد سياسة خصمه رئيس اليمين الحاكم بنيامن نتنياهو اتجاه غزة، فقال "حركة حماس تتعامل بابتزاز كالمافيا، ونتنياهو خضع لها".

وخاضت صحيفة "معاريف" في ماهية الجدل الحاد الذي غزا شبكات التواصل الإجتماعي بين الإسرائيليين، وذلك على إثر التوتر الميداني على الجبهة الجنوبية.

ومن ناحيته، سلط موقع "واللا" الإخباري الإسرائيلي، الضوء على غضب المستوطنين الذين يقطنون في "غلاف غزة" جراء سياسة حكومتهم اتجاه القطاع، فقالوا "مسابقة الأغنية الأوروبية أهم منا"، وذلك للدلالة على عدم رغبة المستوى السياسي وكذلك الأمني بتصعيد الأمور، خشية من إفشال مسابقة الأغنية الأوروبية (يورو-فيجن) المزمع عقدها في تل أبيب في السادس عشر من الشهر الجاري.

والواقع، فإن مكمن الخوف الإسرائيلي هو أن نحو 120 ألف سائح أوروبي من المفترض أن يأتوا إلى إسرائيل لحضور الحدث الفني المذكور، قد يتراجع الكثيرون منهم عن المجيء بسبب المخاوف الأمنية بسبب توتر جبهة غزة. فهذا العدد الكبير من الأوروبيين سيضخ مالاً كثيراً ووفيراً لصالح الإقتصاد الإسرائيلي.

أما القناة "الثالثة عشرة" الإسرائيلية، فاستبقت النهاية، بالقول في وقت مبكر من يوم الأحد، نقلاً عن مصدر عسكري: "أمامنا يومان من التصعيد على الأقل".

بيدَ أنّ ما قالته هذه القناة الإسرائيلية كان قبل التطور الخطير الذي حصل في الساعات اللاحقة خلال نهار اليوم الثاني للتصعيد، فالحديث بات عن استهداف مواقف ومركبات عسكرية إسرائيلية إضافة إلى مصانع ومبان أدت إلى جرحى وقتلى. 

غير أن هناك من يرى أن تصعيد الخطاب الحربي المتبادل بين حماس وإسرائيل ومن ثم قوة النيران على الأرض، هو محاولة الوصول إلى "استحقاق الهدنة الطويلة بالمحصلة". فهذه الهدنة تحتاج إلى هذا المستوى من القتال غير المسبوق في الجولة الحالية ما جعلها الأكثر خطورة والأصعب مقارنة بسابقاتها من جولات التصعيد التي تلت حرب 2014.

وبالنظر إلى الخطاب الرسمي الإسرائيلي، فكان في طياته نوع من المُكابرة عندما نفت مستويات سياسية في تل أبيب، وجود أي اتصالات للتهدئة، بالرغم من ان بعض وسائل الإعلام العبرية قالت إن نتنياهو حاول أن يضع حداً للمواجهة العسكرية، الليلة الماضية ولكن فشل. كما أنه يطلب من القاهرة أن تواصل جهدها على هذا الصعيد.

يبدو أن نتنياهو كان يدرك جيداً ان استمرارها سيفتح الباب أمام تطورات دراماتيكية في الميدان- وهو ما حدث فعلاً- ستجعل منه مضطراً لتعميق الرد على حماس والجهاد. ويبدو أنه لا يحبذ "الضربة القاسمة" الآن، فلا يريد أن ينتزع من الإسرائيليين "فرحة الإحتفال" بذكرى "تأسيس دولة إسرائيل". ناهيك عن محاولاته لعدم التنغيص على دعايته القائلة للأوروبيين وغيرهم "تعالوا إلى هنا لحضور يورو-فيجن.. فإسرائيل أكثر مكان آمن في العالم".

والحق، أن ثمة قراءة سطحية لبعض العرب والفلسطينيين عندما يقولون في كل موجة تصعيد عبر الإعلام "إن نتنياهو غير معني بالتصعيد، فلا حرب". ذلك أنه في تاريخ الحروب التي خاضتها إسرائيل ضد غزة ودول عربية لا سيما حرب لبنان في تموز 2006، لم تكن الدولة العبرية راغبة بخوضها، لكن وقائع دراماتيكية جعلت الأطراف ذات العلاقة أمام ساعة الصفر للحرب الحتمية، وقد وقعت.

وبالإنتقال إلى الصفحة الفايسبوكية للناطق بلسان الجيش الإسرائيلي افيخاي ادرعي، فها هو يتحول إلى "مفتي الديار الإسلامية" ثم إلى "متباكٍ يناشد العالم كما لو أنه الحلقة المستضعفة"، عندما نشر صورة لما قال إنه كنيس يهودي تعرض لقصف مِن صواريخ "حماس" و"الجهاد"، ثم يعلق عليها: "معتدي على دور العبادة يعتدي على الله.‬ هذا هو كنيس أصابته اليوم صواريخ حماس‬ والجهاد الاسلامي‬. ان الاعتداء على دور العبادة أمر محرم شرعاً والاسلام براء من هذه الأفعال براءة الذئب من دم يوسف".
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024