استعادة "العونية السياسية" في 2021: "ثورة" للصِّدام فقط

قاسم مرواني

الخميس 2021/04/22
بدأ العونيون أخيراً ثورتهم. أعلنوها في مواقع التواصل وأطلقوا شعارات وأهدافاً يتفق حولها اللبنانيين جميعاً، من محاسبة الفاسدين واستعادة أموال المودعين، ودعم القضاء كي يمارس صلاحياته من دون تدخلات سياسية. ليس غريباً إذاً أن تبدأ الثورة من عند شركة مكتف، المسؤولة عن نقل الأموال الورقية من لبنان وإليه.

تمتلك القاضية عون الكثير من الحق الذي يستدعي الوقوف إلى جانبها ودعمها، بالنظر إلى حجم القضية أولاً، حيث أن شركة مكتّف هي واحدة من المسؤولين عن نقل الأموال الورقية المحولة إلى الخارج من قبل المصارف. تلك المصارف التي لم يكشف مصرف لبنان عن هويتها وكمية الأموال المحولة من قبلها. وقد تكون هذه، بالنسبة  لداعمي غادة عون، الخطوة الأولى نحو إجبار هؤلاء على إعادة الأموال. 

إلا أن محاسبة هؤلاء تقف عند الشق الأخلاقي، أي أن تحويل الأموال خلال الأزمة إلى الخارج هو عمل غير أخلاقي. أما من الناحية القانونية، فلا يوجد ما يمنع أي مواطن أو مصرف تحويل أمواله بغياب قانون "الكابيتال كونترول"، والذي كان الأجدى بـ"التيار الوطني الحر" العمل على إقراره. 

المخالفة القانونية التي تستطيع عون محاسبة هؤلاء عليها، هي عدم تحويلهم أو إعطائهم الأموال لأصحابها، لكل الراغبين في سحب أموالهم أو نقلها، بل اقتصرت هذه التحويلات على النافذين والسياسيين وأصحاب المصارف.

الطريقة التي تحاول بها غادة عون الوصول إلى المعلومات من شركة مكتف، عبر حشد الجماهير حولها وضربها عرض الحائط القرارات القضائية والأعراف، تذكر بالأسلوب نفسه الذي استعمله الجنرال ميشال عون أواخر الحرب الأهلية.

هي التي تنتمي إلى المدرسة السياسية العونية، تسير على النهج نفسه. تحاول الحصول على شرعيتها من الشعب، بعد تكتل قسم من القضاء في مواجهتها، أو بالأحرى بعد المواجهة القائمة على مصالح الزعامة دون المصلحة العامة. تماماً مثل عون الذي أخذ شرعيته من الجماهير في قصر بعبدا خلال حربي الإلغاء والتحرير، طارحاً شعارات وأهدافاً لا يختلف عليها اثنان، من تحرير لبنان من الاحتلال السوري، إلى القضاء على المليشيات وحصر السلاح في يد الشرعية.. لكن الأداء، بعد بلوغ السلطة لا علاقة له بشيء من الرايات المرفوعة.

لكن المشكلة كانت في الأسلوب، بما يشوبه من انتقائية واستنسابية. ففي ذلك الوقت، لم يجد فرض الشرعية في لبنان كله مليشيات غير "القوات اللبنانية"، الخصم المسيحي الوحيد والمنافس الأول على الحكم، فشن وقتها الجنرال "حرب الإلغاء". وفي "حرب التحرير"، جر لبنان إلى حرب خاسرة مع سوريا، مديراً ظهره لرئيس الجمهورية الياس الهراوي ورئيس الحكومة سليم الحص، رافضاً الاعتراف بشرعيتهما. ولا يبدو اليوم أسلوب غادة عون مختلفاً عن أسلوب ميشال عون.

مع عودة العونية السياسية إلى الحكم، يعود منطق الصِّدام، إلا أنها اليوم لا تجري حرباً في الشوارع ومن خلف المتاريس، بعدما انتقل أمراء الحرب ومليشياتهم إلى حضن الدولة وبات لكل منهم أجهزته الأمنية ومؤسساته وقُضاته، يديرون حرباً من نوع آخر، هدفها بالطبع كرسي السلطة.

الرئيس ميشال عون اليوم يبدو مرتاحاً إلى وضعه الجديد. أكثر من أي وقت مضى، هو قريب من تحقيق أحلامه. يستغلّ غياب الحكومة ليسيطر على القرارات. وفي غياب تأثير المجلس النيابي المنقسم بين أجنحته السياسية، يبسط المزيد من النفوذ، ويحاول عبثاً السيطرة على القضاء، متسلحاً بجهاز أمن الدولة. 

يحاول "التيار الوطني الحر" أن يمارس الإلغاء على خصومه وكل من يهدد بسلبه الحكم.. وليس غريباً أن نسمع قريباً مطالبات بأن يلحق التمديد الرئاسة، في حال لحق مجلس النواب. 
غادة عون لا تشكل سوى إحدى أدوات الحكم الجديدة، وهذه المرة العونيون على حق، شركة مكتف ليست سوى البداية وما تحقق خلال خمسة أيام عجز عنه الآخرون خلال سنوات... لكن ماذا عن مساهمتها في الاستدعاءات الكيدية؟ وغضها الطرف عن الفساد والهدر اللذين اضطلع بهما تيارها السياسي في وزارة الطاقة وغيرها، وهما مسبّب أكثر من أساسي في الانهيار الراهن؟ وكسرها هيبة القضاء بالشبيحة البرتقاليين؟ العدالة، كما الأخلاق، لا تتجزأ!
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024