إعلام إسرائيل بعد استعادة الجندي..لا تفاصيل تنغّص الفرحة

أدهم مناصرة

الخميس 2019/04/04
ما أن حلّت ساعة الصفر لإعلان إسرائيل نبأ استعادة رفاة جنديّها، زخاريا باوميل، من مقبرة في سوريا، حتى واظبت وسائل الإعلام الإسرائيلية بمختلف أشكالها، منذ عصر الأربعاء، على الكتابة والتحليل في طيات الواقعة، فكانت عنواناً رئيسياً بإمتياز.
هذا الإهتمام الإعلامي الإسرائيلي مُستمدٌّ من الإنطباع الذي تحاول- مراراً- الحكومات والأحزاب الإسرائيلية المختلفة ومعها المستقلّون أن تُكرّسه منذ نشوء الدولة العبرية، سواء للرأي العام الداخلي وكذلك للعرب والعالَم، ضمن رسالة مفادها "لن ننسى موتانا وأسرانا..مهما طال الزمن".

وجاء الإعلان عن عملية استعادة الرفاة، ليدفع بعض الصحف إلى الحديث عن الإستثمار الإنتخابي من نتنياهو للأمر، لكن بالمجمل حاولت الصحف الإسرائيلية أن تتحاشى الربط كثيراً بين الأمرين؛ ذلك أنه في "إسرائيل لا خلاف على استعادة رفاة جنودها". وكأنها لا تريد أن تُنغص "الفرحة المُقدّسة".

ناهيك عن أن هكذا موضوع مهم جداً لليهود، لدرجة أنه لا يوجد في إسرائيل ما هو أهم من ذلك ضمن النقاش العام الدائر فيها. وفي السياق، حاول هذا الإعلام أن يقول "إن استعادة رفاة جندي من أرض العدو" مهم جداً بالنسبة للوعي والثقافة لتركيبة هذه الدولة المحتلة. وهذا يدلل على أن الموضوع ليس هامشياً أو عادياً، بل هو أساس استمرارية إسرائيل.

ولهذا توحّد الإعلام الإسرائيلي في خطابه مع البروباغاندا الرسمية، وقد تجلى دور الرقابة العسكرية كحارس بوابة للإعلام. فلم يجب هذا الإعلام العبري على أسئلة عديدة مرتبطة بعملية استعادة رفاة هذا الجندي، من قبيل: "ماذا جرى تحديداً؟.. وما هي المراحل التي تمت حتى تحقق ذلك؟".

الحق، أن هذه معلومات أمنية لا يتم البوح بها، على الأقل الآن ولفترة زمنية معينة، قبل الكشف عنها في الوقت الذي تقدره "الرقابة العسكرية"، فهي مَن يقرر ذلك بالمحصّلة، وكما جرت عليه العادة في مثل هذه الأمور.

لكن الهامش الذي أدت فيه الصحف الإسرائيلية، تمثل في التحليل والإستعراض لا المعلومات الأمنية، حتى أنها بدت- أحياناً- "ناقلة" أكثر من كونها "محققّة" ومستقصية فيما جرى.

فصحيفة "إسرائيل اليوم" المقربة من نتنياهو نقلت عن مصادر عربية لا إسرائيلية، معلومة حول عثور "قوى محلية" على رفاة الجندي باومل، قرب مخيم اليرموك في سوريا. فلماذا لم تسأل هذه الصحيفة عن الحيثيات، تلك المصادر الإسرائيلية التي تمتلك كلّ المعلومة، بدلاً من ذلك؟!.

وبموازاة ذلك، عَكَس الخطاب الإسرائيلي الرسمي وغيره من محتوى الشاشة المستطيلة، "قوة وانتصاراً سياسياً وعسكرياً" لإسرائيل تحت عنوان "لن ننسى جنودنا". وتطرق هذا الخطاب الإعلامي إلى سرد تفاصيل حول "خلية النحل الإسرائيلية" ولجان التحقيق التي شُكلت على مدار سنوات طويلة، حتى حانت الفرصة المناسبة لتحقيق "الوعد" المُنتظر.

ورغم أن صحيفة "هآرتس" لم تمرر الواقعة من دون الربط بين استثمار نتنياهو لإستعادة رفاة الجندي ومقتنياته الشخصية، ومصالحه انتخابياً، إلا أنها لم تجرؤ في الوقت ذاته، على التشكيك في مسألة التوقيت أو أن تملح مثلاً إلى احتمالية أن يكون "نتنياهو قد هندس توقيت الإعلان عن استعادة الرفاة قبل ستة أيام فقط من الإنتخابات لأسباب تتعلق بمصلحته، لا بمقتضيات أمنية لها علاقة بمصلحة إسرائيل". فهذا خطٌّ أحمر غير خاضع للمزايدة الداخلية.

بيدَ أن هذا التشكيك، أتى من جهات إعلامية فلسطينية مطلعة، حيث أفادت لـ"المدن" بغمز ولمز من أوساط إسرائيلية منافسة ومعارضة لنتنياهو، تعتقد أن التوقيت تم تحديده من الرئيس فلاديمير بوتين وبالتنسيق مع نتنياهو في سياق "برمجة مشتركة"؛ ذلك أن الرفاة نُقلت من سوريا، إلى روسيا، ثم إسرائيل. فهل هو التوقيت الذي أراده بوتين، لتكون الواقعة "هدية روسية" إلى نتنياهو، علّ فوزه بإنتخابات القريبة يكون حتمياً؟

كما ان سيناريو "دراما الإستعادة" والمتمثلة بنقل رفاة باوميل، الخميس، إلى إسرائيل برفقة نتنياهو عندما يعود من روسيا، ليس بريئاً.

لكن السؤال الأبرز في هذا المضمار: هل يريد بوتين، فعلاً، أن يفوز نتنياهو؟..ولماذا؟

لعلّ صحيفة "معاريف" حاولت أن تجيب على ذلك بطريقة غير مباشرة، عبر عنوان تحليلي طويل، يتساءل عن الثمن الذي سيجنيه بوتين مقابل ذلك. ويبدو أن هذا الثمن المقابل يحتاج إلى بقاء نتنياهو في المشهد السياسي الإسرائيلي. خاصة إذا ما تحدثنا عن شخصية "تجارية" مثل نتنياهو، فيقايض كل شيء بالربح والخسارة، والزائد والناقص. وفي ذلك يبدع الزعيم الليكودي أكثر من غيره. وهذا مثار تناغم الإدارة الاميركية والروسية مع طريقة نتنياهو، على حد سواء.

وفي السياق، سلطت الصحف الإسرائيلية على زيارة بنيامين نتنياهو إلى موسكو، الخميس، والتي من بين أهدافها أن يقول "شكراً بوتين" بسبب مساعدته في هذه "القضية الإنسانية"، بالإضافة إلى إرسال "إنذار" إلى لبنان بخصوص مصنع الأسلحة الإيراني الجديد في لبنان، وفق مزاعم تل أبيب.
 
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024