مصالحات بين عشاء وغداء.. فماذا عن الدم المهدور؟

المدن - ميديا

الثلاثاء 2020/06/16
لا تخفي المصافحة من بُعد، ودّاً مفقوداً بين رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" النائب السابق وليد جنبلاط، ورئيس "الحزب الديموقراطي اللبناني" النائب طلال ارسلان، إذ ترمّمه "المصلحة الوطنية". 

العبارة الأخيرة قد تكون فضفاضة، تبررها الحاجة السياسية أولاً، وحاجة الاستقرار الديموغرافيّ في المقام الثاني. لكنها لا تبدد الاعتقاد بأنها ضرورة لتطويق توتر سياسي ومذهبي، ولا تنفي أن القائمين بها على درجة من الشجاعة بما يتخطى الموروث القائل "لا عداوات دائمة في السياسة.. ولا صداقات دائمة".

يطوي الزمن الخلافات. يحتاج السياسيون الى اندفاعة نحو مصافحة. قد لا يبادر أحدهم اليها، لأن خطوة مشابهة لها حساباتها السياسية والشخصية. فمعظم المشاكل السياسية، يقوم على حسابات شخصية، أو تتعمّق فيها. بادر رئيس مجلس النواب نبيه بري، لهذا الجمع، فهو نقطة الالتقاء بين المختلفين. أحدهم صديقه، والآخر يستطيع أن يمون عليه. تتم المصالحة، وتُكلف لجان وزارية بمتابعة تذليل الاشكالات ومسبباتها. وهي خطوة استكمالية وتنفيذية، طالما أن الأساس قد تم. 

وبري، بهذا المعنى، يستأنف دوراً تقريبياً بين المتخاصمين لعبه في عز الاشتباك السياسي والانقسام العامودي في طاولة حوار 2006. وبعدما تجدد الانقسام السياسي والطائفي أخيراً، استأنف دوره كرجل على مسافة واحدة من الجميع. يجمع المتخاصمين في الليلة الأولى على عشاء، ويبدد هواجس طائفية في اليوم الذي يليه على طاولة غداء بلقاء الحريري. الحدّة في الصورة الأولى، مفقودة في الثانية. ففي الأولى، نزاع بين طرفين يقرّب بينهما. وفي الصورة الثانية مع الحريري، يمثل بري طرفاً. الموقف يستدعي انفراجاً إنعكس ضحكة ثنائية، ما يعني أن الخلاف انتهى ولا داعي لتطويق ذيوله بلجان وزارية.  

والحدة في صورة بري في لقاء جنبلاط – أرسلان، تنتهي انفراجاً خارج بوابات قصر عين التينة. ثمة ابتسامة من الوزن الخفيف بين المتخاصمين. لقاء بعبدا السابق في آب/أغسطس الماضي، لم يمحُ ذيول الاشتباك في قبرشمون، ولا آثار واقعة الشويفات. تقدم الزمن، ومحا آثار الخلاف. كانت هناك رغبة في العناق، لولا التباعد الاجتماعي.. وكانت هناك رغبة في "الفضفضة"، لولا أن الوقت لا يسمح.

ثمة قواسم مشتركة جرى احياؤها خلال اللقاء، فانفرجت أسارير المتخاصمين لدى انتهائه. في الصورة، الكثير من الدلالات. انفرجت على المستوى الأعلى، وبقيت المعالجة مهمة معقدة، كان الوزراء السابقون يتفكرون فيها، حسبما بدا في علامات وجه الوزراء السابقين غازي العريضي وصالح الغريب وعلي حسن خليل.

في مواقع التواصل، لا يختلف الجو عما هو عليه في الأروقة السياسية. يماد مناصرو الشخصيات الثلاث، جرأتهم و"حرصهم الوطني". ويسأل آخرون عن جدوى المصالحات السياسية، في وقت لا يهتم الناس لذلك. وفي السياق نفسه، يخرج من يتساءل عن دماء هُدرت، وانتهت بمصالحات السياسيين. 

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024