فائض قوة الثورة

نذير رضا

الجمعة 2019/11/15
لم تعد أركان السلطة اللبنانية الحاكمة منذ العام 1992، تتمتع بنفوذ كافٍ لتسويق اتفاقات سياسية وتفرضها على الشعب. ثمة تغيير كبير في المشهد. السلطة قادرة على احتواء نفسها، وتذليل عقبات تحول دون سلاسة حكمها، لكنها لم تعد قادرة على فرض تسوية على مواطنيها.

تثبت أحداث الاتفاق على تكليف محمد الصفدي رئيساً للحكومة، هذا الواقع. تم اختيار الصفدي كبديل عن أصيل، برئاسة حكومة تدير الأزمة. حكومة لا تنتج الحلول، ولا تنفذ إصلاحات جوهرية في السيستم الذي يشوبه الفساد وتنخره الزبائنية، ويهدده الانهيار. 

يدرك السياسيون أحوال البلاد، وأنتجوا تسويتهم بناء عليها. لكنهم لم يملكوا قوة التأثير لفرضها على الشارع الذي لوّح باسقاط التسوية مرة أخرى، في الشارع، وفي مواقع التواصل الاجتماعي. 

من يرصد التغريدات منذ ليل أمس، يتيّقن بأن السلطة دخلت مرحلة العجز. لا تساهم تبريرات المسؤولين لهذا الخيار في تبريد الشارع. ولا تنفع المصادر المتطايرة على الشاشات في دفع التسوية نحو التنفيذ. لا غضب لدى الناس من اتفاق سياسي تمت بلورته في بيت الوسط. الناس أهدأ من السلطة. يتصرفون من موقع المنتصر، القادر على الانتظار. فكل تأخير اضافي، تدفع ثمنه السلطة انحداراً نحو الانهيار. 

وقوة الشعب، لا تتأتى عملياً من سلاح تمتلكه، او علاقات دولية. مصدرها الأساس، هو اتحاده وصلابته. "من ينتظر 30 عاماً، يستطيع أن ينتظر أسبوعاً إضافياً"، يقول أحد المغردين. فيما يلوح آخر بالإطارات كسلاح للمواجهة. الإطار المشتعل هو عدّة المواجهة. وكاميرا الهاتف لا تهزمها قوة من آلاف العناصر الحزبية. 

في المقابل، تغرق السلطة. دخلت في حلقة مفرغة، تتسع فجوتها كلما طالت الأزمة. فقد سقط الرهان على ملل الشعب، وتضغط الأزمات المالية لإنقاذ ما تبقى من قدرتها على الصمود، ومن طاقتها على حماية مكتسباتها السابقة. وهي تدرك أن الولاء للسلطة في صفوف الشعب، لم يبقَ منه الا الانتماء العاطفي. عدا ذلك، تبخر عند أول اجتماع في ساحات البلاد وميادينها، بهتاف "كلن يعني كلن". 

والحال إن النكات التي دخلت ميدان المواجهة الافتراضية، تعبر عن حالة استهزاء ناتجة عن الشعور بفائض القوة. قوة الشعب أكبر من أي وقت مضى، وقادرة على التأثير بما يتخطى أي محاولة لترويضها. اختبر الناس الذل والجوع، ويختبرون اليوم الثأر من السلطة. هو حال القائل إن الصفدي، وهو أبرز المستثمرين في "زيتونة باي"، مكانه التحقيق بشبهات الفساد وليس رئاسة الحكومة. كذلك، يرى الناس أن "الكل متفق على أن طرابلس هي عروس الثورة، لكن لم يتفق أي أحد على أن يكون العريس محمد الصفدي". 

تقول التقديرات ان أي اسم من ضمن السلطة، أو أحد المشاركين فيها منذ وقت طويل، سيتعرض للانكسار. "سيحترق اسمه". لكن الحراك لم يقدم أي اقتراح. وتلك قوته، ذلك أن الاقتراح سيستدرجه الى تفاوض مع السلطة، وهو يرفضها بالتأكيد، منعاً لتنصيب أي شخص ولياً على الناس. تبحث السلطة عن الحلول ضمن خيارات تراها من بيئتها، وهو اطار عمل محدد سينتهي مع نهاية الاتفاق على تسمية الصفدي. فالشعب يلزمهم بالبحث عن اسماء من خارج نادي المجربين سابقاً. وسيصل الى هذه المرحلة بعد استنزاف السمعة. 
هذا ما يمكن استنتاجه من ساحات الاعتصام ومنصات المواجهة الالكترونية.  
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024