حافظ جونيور.. إعادة تدوير "القائد المفدى"

وليد بركسية

الجمعة 2020/02/14
على غير العادة، لم تكن الصور المتداولة لحافظ الأسد، الابن الأكبر للرئيس السوري بشار الأسد، في زيارته لمدرسة "باسل الأسد للمتفوقين" بالعاصمة دمشق، دليلاً على تواضع وبساطة العائلة الحاكمة، فقط، بل إشارة إلى الطريقة التي تجاري فيها الدعاية الأسدية الاستياء العام بين جمهور الموالين، الذي يعبّر عن غضب متفاوت تجاه رموز السلطة في سوريا، مع الأزمة الاقتصادية الحادة في البلاد إثر انخفاض قيمة الليرة السورية إلى حد غير مسبوق أمام العملات الرئيسية.

وتشكل الصور رداً غير مباشر على الإشاعات التي انتشرت في الفترة الماضية، حول استقرار أبناء الأسد، حافظ وكريم وزين في روسيا، بعد انتشار صورة للأشقاء الثلاثة، أواخر الشهر الماضي، في العاصمة موسكو وخلفهم قصر الكرملين، ما أثار استياء واسعاً بين السوريين، على اختلاف انتماءاتهم السياسية. وفيما حاولت صفحات موالية حينها القول أن أبناء الأسد في زيارة سياحية إلى موسكو فقط، لتبديد أي أفكار سياسية قد توحي بها إشاعة استقرارهم هناك، فإن ذلك التبرير لم يكن كافياً لتنفيس الاحتقان العام، مع تصاعد الحديث في مواقع التواصل حول الفروقات الطبقية المتزايدة في سوريا.



ورغم أن الانزعاج الشعبي بين السوريين في مناطق سيطرة النظام، لا يطاول عائلة الأسد في العادة، بل يبقى محصوراً في الأوصاف العمومية مثل "أبناء المسؤولين ورجال الأعمال"، إلا أن التعبير عنه يظهر من حين إلى آخر، مع إحساس بأن البلاد مع نهاية الحرب تتحول إلى مكان للأغنياء فقط، وتتحكم فيه طبقة من النافذين، بعكس الخطاب الرسمي دبلوماسياً وإعلامياً، فيما تبرز الانتقادات من بذخ ورفاهية أبناء رجل الأعمال رامي مخلوف، ابن خال بشار الأسد، بشكل خاص.

ومن اللافت فعلاً أن الدعاية الأسدية باتت تضطر لمواكبة الجدل الذي ينتج أصلاً عن نشاط أفراد الجيل الجديد في العائلات الأكثر نفوذاً في سوريا، بما في ذلك عائلة الأسد نفسها، في مواقع التواصل، وتحديداً "أنستغرام" الذي خلق حالة من الرغبة في التباهي الشخصي بالثروة والحياة الفارهة، لم تكن موجودة سابقاً، وخلق معها حيزاً للمقارنة بين طبقات السوريين، بشكل يتحدى خطاب النظام الرسمي عن أسباب الانهيار الاقتصادي. وإن كان أولاد الأسد بعيدين من التعبير عن تلك الرغبات العصرية، بشكل مباشر، إلا أنهم يظهرون في صور فارهة يتم تسريبها من حسابات خاصة في "أنستغرام"، تعود لأقاربهم، كأبناء رامي مخلوف أو حتى أبناء عمتهم بشرى الأسد.

وتأتي صور حافظ الصغير، في هذا التوقيت، من أجل تحييد العائلة عن الانتقادات وتمييزها عن بقية العائلات ذات النفوذ في سوريا الوجوه الجديدة التي باتت تملك الثروة في سوريا، وتقدم الدعم المالي للنظام، وتسهم في بقائه في الحكم بأساليب أسهمت في انهيار ما تبقى من اقتصاد البلاد وتعزيز الانقسام الطبقي وسحق الطبقة المتوسطة وتمزيق النسيج الاجتماعي، في وقت تعيش فيه نسبة 80% من السكان تحت خط الفقر بحسب تقدير لصحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية.

والحال أن الأيام القليلة الماضية، شهدت صرخات في مواقع التواصل، في وجه الفقر وانعدام الكرامة الآتية من الشعور بالتمييز واللاعدالة، وبرز ذلك في تصريحات للممثلة ناهد الحلبي قالت فيها: "هي مو حياة، كلمة حياة كتيرة علينا، نحن للأسف عايشين بوضع الكلاب عايشة أحسن من مننا"، وتصريحات موازية للممثل والمنتج فراس إبراهيم قال فيها أن "الوطن ليس مجرد كمشة تراب بل هي الأمان والراحة والكرامة"، وفسرها لاحقاً بانعدام الكرامة في سوريا حالياً. وتكلل ذلك بمقطع فيديو لتشييع أحد جنود النظام السوري في إحدى قرى الساحل السوري، أظهر منزل عائلته في حالة مزرية، من دون أبواب ونوافذ، مع عبارات: "فليعرف الجميع أن الذين يدافعون عن الوطن هم الفقراء"، وقد يكون هذا المقطع أحدث تعبير عن التململ الحاصل في البيئة العلوية الحاضنة للنظام، والذي تراجع تدريجياً منذ ذروته العام 2018.

وهنا تلعب الدعاية الأسدية على تدوير فكرة انتماء عائلة الأسد للشعب السوري، حيث نشر المدرس أحمد أحمد، الذي يظهر في الصور مع حافظ، الحديث الذي دار عند التقاط الصور. وكتب عبر صفحته الشخصية في "فايسبوك": "حافظ الإنسان الخلوق، المتواضع، النبيل، المتحدث الذكي. والله يا حافظ أدهشتني بأسلوب التفكير المنطقي. نعم التربية يا حافظ. نعم الأخلاق. نعم التواصل النقي مع كل الناس بدون تعالي. صافح حافظ الجميع مديراً ومدرسين وطلاب ومستخدمين وتحدث مع الجميع بكل رحابة صدر وابتسامة عذبة. خاطبته أستاذ حافظ، أجابني معتذراً أنا لست أستاذ. خاطبته سيد حافظ، أجابني لست سيد. أتمنى أن تناديني حافظ بدون ألقاب لأنني مازلت طالباً".

وبغض النظر عن موقف المدرس، الذي اختلف عليه المعلقون بين كونه مجبراً على تقديم فروض الطاعة لعائلة الأسد، مثل معظم السوريين خوفاً من العقاب وحفاظاً على لقمة العيش، وبين كونه مؤمناً بما يقوله انطلاقاً من ولاء عميق للنظام ورموزه، لا يمكن سوى الشعور بالحزن عند التحديق في الصور التي تظهر حقيقة الحياة في سوريا الأسد، حيث يحاضر مراهق أمام حشد من المعلمين المخضرمين طوال ثلاث ساعات لمجرد أنه ابن "القائد المفدى".

وكان هنالك إصرار واضح على الترويج لتواضع حافظ وانتمائه للشعب السوري وابتعاده عن فوقية أبناء المسؤولين، في الصفحات الموالية. ويعود اختيار حافظ لهذا الدور بدلاً من نشر صور لأبيه أو والدته اسماء في جولة "عفوية" في مكان عام مثلاً، لأن الغضب الشعبي يتركز على شخصيات توازيه في الترتيب ضمن أجيال العائلات الأكثر نفوذاً في سوريا، من جهة، ولحقيقة أن الاستياء ينتشر لدى الأفراد الأصغر سناً، ليس فقط في سوريا بل في الدول المحيطة بها أيضاً، ما يستوجب استهدافهم بشخصية توازيهم عمرياً.

وبذلك يشارك حافظ في لعبة دعائية يتم فيها تقسيم أدوار البروباغندا الناعمة ضمن أسرة الأسد من أجل تلميع صورة بعضهم البعض من جهة، وتوجيه الخطاب نفسه إلى فئات متنوعة من الجمهور من جهة ثانية، لصالح الشعار الأكبر: "الأسد للأبد"، وهو دور طارئ على دعاية النظام عموماً، مقارنة بحالته في الثمانينيات مثلاً عندما كان النظام أكثر قدرة على ضبط تدفق المعلومات في البلاد، بدلاً من انفلاتها الحالي بفعل التكنولوجيا والسوشيال ميديا.







©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024