"حزب الله" يعلن "حرب الاستقطاب" في مواجهة واشنطن

نذير رضا

الأربعاء 2020/07/08
لا يعبّر الاسترسال في السخرية من توجّه "حزب الله" نحو القطاعين الزراعي والصناعي في مواقع التواصل الاجتماعي، إلا عن ضحالة في القراءة لأبعاد الخطوة، المرتبطة، حكماً، بالمواجهة الاميركية المباشرة مع الحزب ليس على خياراته السياسية، إنما على شعبيته وقدرته على جذب المؤيدين.

قيل الكثير منذ ليل الثلاثاء حول إعلان الحزب مقاومته الزراعية والصناعية، وأكثر الناس من السخرية على قاعدة تحول الحزب من قيادة المقاومة ضد اسرائيل، ومن زعامته في أزمات المنطقة، الى مدير لمشتل زراعي، وهي نكات باتت سمة لبنانية عند كل استحقاق أو حدث مرتبط بجميع الاطراف المتنازعة على حد سواء، وينخرط فيها المؤيدون كما الاخصام، لأسباب سياسية أو منطقية مرتبطة بأي اعلان يخضع للنقاش.

لكن هذا الجانب من النقاش، يختزل بقية مضمون خطاب يستكمل رسالة الخطاب الذي سبقه لجهة إزالة السقف والخطوط الحمر التي كان الحزب قد وضعها في المواجهة، لجهة عدم الاستبعاد المشروط للحرب فيها. وفي خطابه الأخير، كان صريحاً في أن المواجهة مع الاميركيين، لن تتوقف على معارك سياسية أو دبلوماسية أو اقتصادية أو حتى عسكرية، وهي مواجهة مفتوحة ولم تخمد منذ سنوات.. أضاف اليها الحزب معركة الاستقطاب الشعبي.

والحزب، في العادة، تزداد شعبيته في الأزمات. لا يستطع أن يحشد لخياراته السياسية أكثر من مريديه وأنصاره، بدليل التحرك الذي حصل أمام مطار بيروت اليوم الاربعاء اعتراضاً على زيادة قائد المنطقة الوسطى في الجيش الأميركي كينيث فرانكلين ماكنزي الى لبنان. أما في الأزمات المصيرية، فإنه استطاع أن يحصد التفافاً يتخطى البيئة الشيعية في تحرير جنوب لبنان 2000، وثم في حرب 2006، رغم ان الالتفاف الشعبي عاد ليقتصر على الطائفة الشيعية في الحرب السورية. 

ففي الأزمات، وآخرها أزمة "كورونا"، ينخرط الحزب، ويفوّض نفسه كحامٍ ومدافع، ويعلن عن إجراءات، فيلتفّ حوله المريدون بشكل أساسي، ويمكن أن تتوسع شعبيته في حال لم يُجاره خصومه. وهو بذلك، يطرح نفسه كبديل عن الدولة، أو كبديل عن تراخي الدولة، وسيجهد لإنجاح تجربته بمعزل عن النقاش الذي يدور حول فشل وزراء الحزب الذين تعاقبوا على حقيبتي الزراعة والصناعة، وهي تجربة لم يجهد لانجاحها على ضوء معطيين، أولهما أن الاهتمام الحكومي بالقطاعين يكاد يكون معدوماً (موازنة الوزارتين تناهز الـ15 مليون دولار سنوياً)، والثاني لأن نجاحها سيكون نجاحاً للحكومة وليس لوزير ممثل للحزب، ما يحول دون تجيير قدرات حزبه وامكاناته لانجاحها. 

لن يقرأ الاميركيون خطاب نصر الله الأخير من الزاوية الساخرة التي ترددت في مواقع التواصل ومجموعات "واتسآب". ذلك ان المعركة الزراعية والصناعية بمفهومها المجرد لمواجهة الأزمة الاقتصادية، سبقه اليها رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط قبل أشهر، وأعلنها رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع اليوم الاربعاء خلال لقائه بوفد من الصناعيين. تلك الجزئية من خطاب نصر الله، لها تتمتها التي لم يخفها في القسم الثاني من الخطاب، عندما قال للولايات المتحدة ان سياستهم تقوي الحزب. 

في العام الماضي، وبعد أزمة "جمال ترست بنك"، راجع لبنانيون المسؤولين الاميركيين حول ما إذا كانت الخطوة بمثابة فرض عقوبات على الطائفة الشيعية. كما طرحوا عليهم هواجس من أن تزيد التفاف الناس حول الحزب، وتدفعهم باتجاهه. كان الرد الاميركي الدائم بأن العقوبات المالية على ايران دفعت الحزب لإعلان "الجهاد بالمال"، وأن تجفيف مصادر الحزب المالية، ستفضّ المؤيدين عنه. يبدو أن "حزب الله" يتعامل مع هذه الاستراتيجية الأميركية بمنطق حرب مختلفة، عنوانها حرب استقطاب اللبنانيين. ولن يقتصر التحول باتجاه الزراعة والصناعة على طمأنة القاعدة الشعبية بأن لا مجاعة آتية، بل لتعزيز التفاف الناس حوله، ودفعهم باتجاه حزبه. 
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024