انكسار باسيل ومخاوف المسيحيين من سيناريو 1990

نذير رضا

الخميس 2020/10/22
القراءة المستعجلة في الصورة التي تجمع رئيس الجمهورية ميشال عون، ورئيس مجلس النواب نبيه بري، والرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري، بوصفها هزيمة للثورة بعد عام على اندلاعها، تفتقر الى الدقة، وتحتاج الى تمعّن أكبر في الخصوصية اللبنانية، والنتائج التي أفضت، بعد عام، إلى اقصاء رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل عن المشهد السياسي. 

فالثورة التي رفعت شعار "كلن يعني كلن"، ركزت هتافاتها على باسيل في ذلك الوقت، فناله القسم الاكبر من الشتائم والسخط، وهشّمت صورته، بما يتخطى أي زعيم آخر. باسيل، الذي مارس تغولاً في الدولة العميقة، وأقصى خصومه وحلفاءه على حد سواء، وانقلب على التزاماته معهم، واستعدى كل القوى بما أتاح لهم التكتل ضده، لم يحظَ بحماية طائفته، كما زعماء آخرين، ولم يستطع حشد التفاف حوله، فخرج من اللعبة بأكبر هزيمة، ظهرت في صورة اليوم. 

وعليه، فإن الحديث عن فشل الثورة بشكل كامل، ينطوي على أوهام. في الاساس، لم يكن المطلوب تحقيق انجاز كامل بتغيير المشهد السياسي بشكل جذري، ذلك أن التوازنات اللبنانية والحمايات الطائفية تتطلب المشهد الذي أسفرت عنه الاستشارات النيابية اليوم الخميس، وأفضت الى تكليف الرئيس سعد الحريري مرة أخرى بتشكيل الحكومة، ليدخل السراي الحكومي، من حيث دخلها أول مرة، ويعبر الممر الذي سيخرج منه الرئيس حسان دياب، كمشهد معاكس لمشهد العام الماضي.

وليست الخيبة سمة مشتركة لكثير من الثوار الذين خرجوا في احتجاجات العام الماضي. ثمة من يشعر بالخيبة اليوم، وثمة من يلتزم الصمت، وثمة من يراهن على تغيير آت، وثمة من يبتهج بما تحقق... فما أفضت اليه الاستشارات، هي اعادة انتاج لسلطة ما قبل التسوية الرئاسية، بمعزل عن عناوينها. سلطة ليس باسيل أحد أركانها، بعد خسارة باسيل معركة التكليف، وسيكون مكسوراً في معركة التأليف، بالنظر الى ان هناك مفاضلة، إما بقضاء الثلث الاخير من العهد بلا انجازات، وإما بالمضيّ في الثلث الأخير من دون الوريث المحتمل. 

ولم تكن عودة الحريري مستبعدة الى المشهد الحكومي. غيابه عنها، ستكون له تداعياته القاسية في معركة الانتخابات النيابية المقبلة بعد عامين، وما يسبقها من نقاش حول قانون الانتخابات.

أما الرئيس عون، فيراهن على تغيير ينقذ العهد من الأزمات، بضمانات دولية، وبدعم دولي من المرجح أن يُعطى للحريري. "حزب الله" الذي لم يتعاطَ بسلبية مع هذا التكليف، مهّد الطريق للحريري بعدم تسميته، منعاً لإحراجه امام المجتمع الدولي وخصومه أيضاً في الداخل إذا سمّاه. والرئيس بري يتحدث عن ايجابية، تطاول أيضاً علاقة الحريري بعون.
 

قد يتراءى للبعض أن إعادة انتاج السلطة اليوم، كما كانت عليه قبل 17 تشرين 2019، وقعت في الصورة المتداولة بكثافة في مواقع التواصل، لكن تلك الرؤية تفتقد الى ما يدور خارج إطارها الظاهر. فباسيل ليس موجوداً فيها، ولن يكون، منعاً لإنهاء العهد قبل أوانه. ولن يتحرك الشارع بالطريقة التي تحرك فيها خلال انتفاضة 17 تشرين، طالما أن باسيل خارج الصورة، وسط النزاع المعلن، حتى الآن، بين باسيل والحريري. 

المستور في الحدث كله، هو المخاوف المسيحية من أن يكونوا خارج الصورة كلياً، في الباطن والظاهر. فـ"القوات اللبنانية" خارج المشهد، حتى الآن، بدليل عدم تسمية الحريري. و"الوطني الحر" خارجه أيضاً، بعد إبعاد باسيل، بموازاة استقالة نواب "الكتائب" ومستقلين آخرين من المجلس النيابي. وعليه، فإن حدث اليوم سيدفع المسيحيين للتحرك، ضمن اطار المؤسسات، منعاً لتكرار سيناريو الحكم ما قبل العام 2005، وهو سيناريو اقصاء المسيحيين من الحكم الذي ظهر في العام 1990 بعد اتفاق الطائف والحكم السوري في البلاد.

وإلا، سيكون عليهم انتظار الانتخابات النيابية التي ستؤثر في التمثيل العددي للقوى المسيحية، من دون أن تطاول جوهر التمثيل العام في بلد لا تزال تحكمه التوازنات والحمايات المذهبية، ومنطق التشارك الإلزامي في الحكم. 
    
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024