لغة الحرب.. كل عَقد وأنتم بخير

نور الهاشم

الإثنين 2019/07/01
لم يختبر لبنان استعادة للغة الحرب اللبنانية، منذ أحداث 7 أيار 2008، كما يختبرها الآن. ثمة تباهٍ بالقوة، وتهديد ووعيد، واستحضار لشعارات الحرب وأحداثها العسكرية. غزت تلك اللغة مواقع التواصل الاجتماعي، مواكبة لأحداث الجبل وتطوراته التي أسفرت عن مقتل شخصين، وإصابة آخرين، وتركت ندوباً في السلم الأهلي الهشّ. 

والسلم الأهلي، يعتاش على الرقم عشرة. فعشر سنوات، تزداد قليلاً، أو تنخفض قليلاً، هي مؤشر السلم الاهلي اللبناني للإهتزاز والاشتعال والتهدئة. يعيش لبنان على الرقم عشرة. فكل عشر سنوات، تنفجر الحميّة الشعبية، كترداد للتباينات السياسية. ولنا في الماضي ذكرى وعبرة. قبل عشر سنوات (ازدادوا قليلاً)، اهتز السلم الأهلي في 7 ايام. وقبله بعشر سنوات، ذهب الى تحرير جنوب لبنان الذي حوّل مسار "حزب الله" باتجاه السياسسة الداخلية. وقبلها بعشر سنوات، انتهت الحرب، بعد اقصاء وإلغاء وتحرير وتطهير امتد 15 عاماً. 

التاريخ يعيد نفسه. بعد الاستقلال بعشر سنوات، قادت الظروف الاقليمية لبنان الى صراع المحاور، فانفجرت الاحتجاجات في الشارع. وبعدها بست سنوات، شهد لبنان أول اهتزاز حقيقي للسلم الاهلي في 1958. لتبدأ التحضيرات للحرب بعد عشر سنوات، في العام 1969، إثر توقيع اتفاق القاهرة. 

والحال ان مهلة العشر سنوات، هي المهلة القصوى للتغيرات في موازين القوى، والاختلال بالتوازنات. ما يحصل عملياً، ليس خضّة أمنية، كما قالت وسائل الاعلام لتوصيف حادثة الجبل. فهو بداية تغيير مرفوض في التوازنات، هزّ معه السلم الاهلي، وهو ما اعتاد عليه لبنان لكسر حالة الجمود، وفتح ثغرات وخطوط اتصال سياسي للحفاظ على "التوازنات القائمة". 

لكن المفارقة أن السياسيين لا يريدونها، على الاقل حتى هذه اللحظة، لأنهم يتعاملون معها بالتوتير السياسي فقط، والتغريدات الحامية الوطيس التي تختبر قوة الصمود عند الاطراف. بينما يندفع المناصرون الى الشارع، وسرعان ما ينزلقون الى الرصاص، مستفيدين من ضعف هيبة الدولة، وانزلاقها هي الاخرى الى التسويات منعاً لانزلاقات كبيرة. 

وتبرز تغريدات المناصرين لطرفي النزاع، كوجه من وجوه الانزلاق الى الشارع. بمعزل عن الطوباوية التي اتسمت بها بعض التعليقات، كرفض لمنطق القتال، وهي تعليقات غير المعنيين بالنزاع الذي وقع في الجبل، تبرز تعليقات المناصرين التي هددت وتوعدت، من غير ان تلتفت الى منطقين بالغي الأهمية، اولهما التوازنات التي تختل، فتتسبب بهذا الكباش السياسي، والثاني مرتبط بحماية السلم الاهلي وتكريس التعايش والمصالحة فعلاً لا قولاً، بمعزل عن الشعارات.

وإذا كان السياسيون والمسؤولون ملزمون بتأكيد التهدئة، فإن الشارع لا يعبأ، عندما تتنامى المشاعر الفردية، والحسابات الفئوية، وهو أمر واقع في لبنان تكرسه التوازات أيضاً.

فالفيدرالية هي أمر واقع، بمعزل عن رفضه بالشعارات، وهو ما أثبتته واقعة بلدية الحدت، قبل أسابيع قليلة، واليوم واقعة الجبل. أما الرفض لهذا المنطقة التقاسمي، فستتم مواجهته بالشارع، وبالتعبئة الالكترونية. 

على ان استحضار لغة الحرب، هو جزء من ثقافة الاحتقان التي تتكرر كل عشر سنوات. فالمهلة التي يمنحها لبنان لنفسه، قبل أن يتوتر ويتشنج، ويمشتق ابناؤه السلاح لتحقيق مكاسب سياسية، وفرض معادلات وتوازنات جديدة، باتت أمراً واقعاً لا يستدعي الانكار، ويحتاج الى مصالحات جديدة، وتطمينات جديدة.

لبنان اليوم، في مخاض التوازنات الجديدة القائمة على ثلاثية "باسيل – الحريري – حزب الله"، وفي خضم التحولات من سوريا الى إيران، فاليَمن، فالولايات المتحدة. تلك الوقائع يتنكر لها المناصرون الذين باتوا وقوداً لإشكال لا يزال الجميع يضبطه تحت سقف الدولة، منعاً لانفجار مؤجل.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024