حرب المصادر الوزارية: صراع أجنحة وآليات ضغط

نذير رضا

الخميس 2019/11/07
تراجع الشائعات إثر دحضها، منذ 21 يوماً على انطلاق ثورة اللبنانيين، لم يمنع ظهور موجة جديدة، ممأسسة، وأكثر فعالية وقابلية للتصديق، تستند الى المصادر روحاً لها، بغرض اثباتها ومنحها المزيد من المصداقية. 

ثمة شكلان للمصادر، وهدفان. الشكل الأول يتم تسريبه لوكلات الأنباء والقنوات التلفزيونية، والثاني يتخذ "تويتر" ميداناً له. أما أهداف المصادر، فيسعى أولها لتكريس البروباغندا التي تشوّش على التحركات الاحتجاجية، وثانيها يُستخدم في معرض توجيه الرسائل السياسية. 

والواضح أن بعض المصادر التي استندت اليها قنوات تلفزيونية للتشويش على الحراك، ليس إلا صورة مبتكرة عن آلية انتاج الشائعات التي اتبعتها الجهات نفسها منذ بدء تحركات 17 تشرين الأول. النمط السابق، كان عرضة للنقض، ويفتقد الى الخيال والابتكار، وهو نمط دعائي مموج، من السهل دحضه عبر اخراج صورة مقابلة لتحركات المحتجين. 

وإذا كان الاستناد الى المصادر المجهولة، بالنسبة لوسائل الإعلام المسيسة، أمراً مألوفاً لتقديم وجهات النظر، فإن الأمر بالنسبة للسياسيين يوظَّف في إطار توجيه الرسائل، خصوصاً في الأزمات حين تصبح المعلومات المنقولة عن مصادر تحمل آلية النقض في الخبر نفسه، وهو ما تمثل في استخدام اعلاميين لهذا الغرض في محطات كثيرة، بينها أزمة تحرير الرهائن اللبنانيين لدى جبهة النصرة قبل ثلاث سنوات، وذلك في معرض الضغط على المجموعات الخاطفة. 

في الأزمة الحالية، ومنذ استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري، تتناقل وسائل الإعلام معلومات منسوبة الى مصادر مجهولة – معلومة، تسعى لتوجيه الرسائل. يمكن، في اليوم الواحد، تلقي ثلاث "إفادات" إعلامية منقولة عن بيت الوسط، أو مقربة من الحريري أو من "تيار المستقبل"، تحمل معلومات متناقضة. ويمكن تلقي إفادتين منقولتين عن مصادر "التيار الوطني الحرر" أو "مقربة من التيار" أو قريبة من دوائر قصر بعبدا، تحمل معلومات متناقضة أيضاً. ويمكن تلقي عشرات الإفادات المنسوبة الى مصادر وزارية، لا تتشابه في مضمونها، بل تتناقض، وهو أمر رائج اليوم، ينسحب على المصادر الوزارية التي تفيد وسائل اعلام متنافسة، كل منها تحمل رواية. 

والحال أن هذا النمط من الإفادات، يستخدم لتوجيه رسائل سياسية في صراع الأقطاب، تحتمل الضغط على الطرف الآخر، وتحتمل التثبيت والنكران. وتطرح الكثير من الاسئلة: هل تُعطى وسائل الإعلام ما تريده؟ هل تريد السلطة منح وسائل الإعلام مادة تلتهي بها، لحرف النظر عن سياقات ومفاوضات أخرى؟ هل تتغير الأولويات بعد بث الرسالة الاولى، فيتم التعاطي مع الثانية بما تقتضيه التطورات؟ 

كل هذه الافتراضات محتملة. والأكثر احتمالاً أيضاً، أن هناك صراعات أجنحة داخل التيارات السياسية. المستشارون يحمل كل منهم رؤية للمرحلة، واستراتيجية مختلفة عن استراتيجية الآخر تجاه التعاطي معها. هذا بات مثبتاً، فضلاً عن ان بعض المستشارين يعبّرون بلغات مختلفة، تتلقفها وسائل الاعلام وتبني عليها. كما ان المصادر الحزبية، تبدو أكثر تشدداً وصلابة في بث الرسائل من تلك المصادر الرسمية، الحكومية أو المطلعة على دوائر القصر الجمهوري، التي تبدو أكثر واقعية. 

واللافت مثلاً، ان مصادر "تيار المستقبل" تدور حول فلك واحد، أما مصادر بيت الوسط فتقدم رؤية غير محسومة، بينما لا تتناقض معها المصادر الوزارية والحكومية في الرؤيتين، لتستمهل المرحلة، أو لنكران ما يجري. 

وعلى المنوال نفسه، تتناقض مصادر قصر بعبدا، أو تلك القريبة من القصر الجمهوري، مع مصادر "التيار الوطني الحر" لجهة مقاربة المرحلة، حيث توحي إفادات الاخيرة بتأزّم، تزيد من التشدد في التعاطي مع الملف في اوساط "تيار المستقبل". 

والحال ان الاعلام هنا، ضحية صراع الأجنحة وتجاذبات الأطراف. يبحث الإعلامي عن معلومة، ويحاول اختصار المشهد لتقديمه للرأي العام. فيجد نفسه عالقاً بين تناقضات، وحرب رسائل مفتوحة لا تحسم الا في الأسبوع المقبل. 
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024