"إنجاز" التدقيق الجنائي.. ابن عَمّ لبنان النفطي

رين قزي

الثلاثاء 2020/07/21
يصوّر التيار العوني والفريق المؤيد للحكومة اللبنانية، تعيين شركة أجنبية لإنجاز التدقيق المالي الجنائي في مصرف لبنان، على أنه إنجاز. رئيس الحكومة اللبنانية نفسه، وصفه بـ"أهم إنجازات الحكومة". 
تعالى الاحتفال به في مواقع التواصل الاجتماعي، وتدحرجت التغريدات من مسؤولي ونواب التيار، والوزراء المحسوبين عليه، ما أعاد الى الذاكرة الاحتفال بـ"لبنان بلد نفطي" في شباط/فبراير الماضي. 

فالحكومة تحتاج الى "إنجاز" لم تستطع تحقيقه منذ ستة أشهر. في خضم العتمة التي تُغرق لبنان، وما يتسرّب عن اجتماعات صندوق النقد الدولي المتعلق باللوم الذي يوجهه ممثلو الصندوق للحكومة الحالية لناحية عدم تحقيق اصلاحات.. وفي ظل الخطاب المتنامي القائم على التنصل من المسؤوليات، وربط الأزمات بالحكومات السابقة، تبحث الحكومة عن أي انجاز. قد يكون وهمياً، أو مؤجلاً، لكن يمكن توظيفه شعبوياً للقول "اننا أنجزنا"، وتالياً، "ما خلّونا" في وقت لاحق، كاستمرار للخطاب التنصليّ من المسؤولية، ورمي التهم على الآخرين. 

تقول وزيرة العدل ماري كلود نجم في تغريدة عبر حسابها على "تويتر": "أصبح التدقيق المالي التشريحي واقعاً محسوماً بعد تمسكنا بموقفنا ونضالنا لمعرفة الحقيقة. مبروك للبنان الخطوة المهمة في مسيرة الإصلاح الشائكة". ويقول الوزير السابق غسان عطا الله: "اليوم وُضع لبنان على سكة الخلاص فـ#التدقيق_المالي_الجنائي انتصار كبير". وتقول القيادية في التيار الوطني الحر رندلى جبور: "طريق مكافحة الفساد تحتاج إلى صمود وإرادة ونية صادقة ونحن لها!"


لم تلحظ تغريدات المؤيدين، الإشكاليات القانونية التي تترتب على "إنجاز" مشابه. كل ما ينظر اليه مؤيدو التدقيق، هو الاقتصاص من الحكومات السابقة، ومن الشخصيات التي شغلت مواقع رسمية في السابق. وإذا أحجم وزراء ونواب التيار عن الكشف عن الجهات المستهدفة من التدقيق الجنائي، فإن المناصرين لم يخفوا ذلك، بوضع صورة رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة في إحدى التغريدات. 

والحال إن رائحة التوظيف السياسي تلوح في الخطوة، بمعزل عن انكشاف البلد وحسابات الناس المالية أمام جهات خارجية، ومن ضمنها اسرائيل. فالوزراء يعرفون تلك التفاصيل، ولم تخفها وزيرة الدفاع زينة عكر في اجتماع مجلس الوزراء، بالقول إن كافة الشركات المالية الأجنبية فيها موظفون اسرائيليون. تخطت الحكومة هذا المبدأ، ولم تتضح أي آلية لعمل الشركة، بحيث لا تخرق نظام السرية المصرفية، ولم تظهر ضمانات بعدم الاستنسابية في التدقيق.. 



لا يستطيع خصوم التيار العوني توجيه أسئلة مشابهة، منعاً لتخوينهم، واعتبار أنهم يضعون العصي في دواليب الإصلاح ومكافحة الفساد واسترداد الأموال المنهوبة، رغم إدراكهم بأن الفساد في لبنان مقونن، ويحظى بتشريعات قانونية، وبالتالي فإن التدقيق في الحسابات سيتوصل الى هدر، وليس الى نهب، كما هو الحال في أموال القذافي أو عمر البشير.
 

بمعزل عن تلك الأسئلة، تكفل معارضون للتيار بالحديث عن هذا الإنجاز بوصفه وهماً. يقول هيثم خوند في "تويتر": "تكليف شركة الفاريز ومارسال #التدقيق_المالي_الجنائي متل اللي جايب سنكري يهتم بشغل المطبخ..  نظرة سريعة، بل حتى نظرة عميقة على موقع الشركة الالكتروني كافية ليدرك المرء أن الشركة لا علاقة لها بالتدقيق الجنائي، لا من قريب ولا من بعيد..". 

ويقول لوسيان بورجيلي: "شخصياً بصدق بس لما شوف بعيني رئيس/وزير/نائب حالي أو سابق محبوس والملايين/مليارات يلي سرقوها رجعت عالخزينة... ومن هلق لوقتها #لا_ثقة ب ولا اي اجراء (شفنا قبل متلو متايل) بتعملو هالسلطة يلي مورطة للنخاع بالفساد بجميع أركانها ومن سنين".


وتقول فرح بولس: "شركات التدقيق الجنائي والمحاسبي ، إذا بيعملو أي خطوة فيها شكوك متل المحكمة الدولية المنحازة يعني خلص ما نحلم أبداً أبداً بالبلد".


تلك العينة من التغريدات، تقابل الاحتفالات بالإنجازات التي وصلت الى تحديد توقيت من يوم إقرار تعيين الشركة، وسط مخاوف من أن تكون الحكومة تبيع اللبنانيين أوهاماً، على غرار أوهام "لبنان بلد نفطي". 

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024