رسالة إسرائيلية لبايدن: "جاهزون لتسلّم أمن المنطقة"

أدهم مناصرة

الجمعة 2021/01/15
يبدو أن ضربات اسرائيل في العمق السوري على مرّ السنوات الأخيرة، وليس انتهاء بهجوم البوكمال-دير الزور قبل ثلاثة أيام من دون أي رد إيراني أو كبح روسي وأميركي، قد ولّد لدى تل ابيب غرور "السطوة"، فعكسه الإعلام العبري في أيام ترامب الأخيرة. فقد برزت لهجة غرور اسرائيلي، ناتجة عن "تطور" الضربات الاسرائيلية من ناحية الكم والنوع والجغرافيا (طاولت أماكن في سوريا بعيدة من الجولان ودمشق)، في استنتاج المحلل العسكري الاسرائيلي يوسي يهوشواع، في مقاله في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، ومفاده أن "الجيش الإسرائيلي يعرف كيف يشن هجمات دقيقة في عمق الأراضي السورية من دون أي حاجة إلى مساعدة الاستخبارات الأميركية".

التصريح الأخير، تبعث من خلاله اسرائيل رسالة بأن يدها في المنطقة طولى، ولا تحتاج الى أحد، وباتت جاهزة لتتسلم أمن المنطقة بمفردها، وتنصيب نفسها شرطياً فيها في حال غادرت القوات الأميركية. وتتضمن رسالة أخرى بأنها لم تعد مجرد تابع للولايات المتحدة أو للغرب، بل لها استراتيجيتها وآليات حكمها للمنطقة عسكرياً، بمعزل عن أي دعم مباشر.

تخطى هذا الغرور مجرد الشعور بالتفوق على الإيراني والعربي في المنطقة، ليطاول الولايات المتحدة ايضاً من خلال توجيه إسرائيل رسالة ضمنية استباقية برائحة البارود إلى الرئيس الديموقراطي جو بايدن الذي يهمّ بدخول البيت الابيض بعد أيام.

وراح يوسي يهوشاع إلى لعب دور "المُصحّح" لما نُشر في الإعلام عن موقعتي دير الزور والبوكمال، فقال إن وسائل الإعلام "نشرت خبرين خاطئين"؛ الأول أن الهجوم تسبب بمقتل عشرات الأشخاص في حين أنه انتهى بعدد محدود من الإصابات. والثاني أن المعلومات الاستخباراتية وصلت إلى إسرائيل في الاجتماع الذي عقده رئيس جهاز الموساد يوسي كوهين مع وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في واشنطن، واعتبر أن "هذا غير صحيح أيضاً". ويفترض يهوشاع أن التخطيط لهذا الهجوم المزدوج في سوريا قد جرى منذ فترة طويلة، مكرراً ثلاث مرات، الإشارة في مقاله إلى عدم حاجة الجيش الإسرائيلي إلى الاستخبارات الأميركية في هذه المنطقة "بل على العكس، الولايات المتحدة هي التي تحتاج لمساعدة تل ابيب".. فضلاً عن ترويجه للهجوم الأخير في سوريا، معتبراً أنه كان "متميزاً ومهماً، وهو يُظهر قدرات عملانية مثيرة للاعجاب لدى الاستخبارات وسلاح الجو في إسرائيل"، وفق زعمه.

وقرّب المحلل العسكري الاسرائيلي مجهره أكثر من ماهية القصف الأخير المُنفّذ وطبيعته، موضحاً أن هجوم البوكمال-دير الزور قبل ايام يعتبر الرابع المنسوب إلى إسرائيل خلال الفترة القليلة الماضية ضد التموضع العسكري الإيراني.. لكنه حاول التباهي خلسةً بقوله أنه "هذه المرة لم يتم القصف في مناطق قريبة، مثل منطقة الحدود في الجولان أو دمشق بل في شرق البلد، في منطقة البوكمال بمحاذاة الحدود مع العراق على بعد 600 كيلومتر".

ووجدت "يديعوت أحرونوت" ضالّتها في الهجوم كي تسرد جوانب ظرفية ومعطيات معهودة؛ بهدف الدلالة على "أهمية القصف". وادعت أن منطقة البوكمال الكائنة على الحدود العراقية – السورية عبارة عن ممر لوجستي بري تنقل إيران عبره أسلحة إلى سوريا ولبنان. بينما تتواجد في منطقة دير الزور مليشيات موالية لإيران. وبحسب "يديعوت أحرونوت"، نقل الإيرانيون قواعدهم إلى هاتين المنطقتين بعدما تم تدمير معظم القواعد في المناطق القريبة من إسرائيل وكذلك تدمير شحنات الأسلحة. وللدلالة على تحقيق إسرائيل غايتها من الهجوم المذكور، يذهب المحلل العسكري يوسي يهوشاع إلى الافتراض بأن الهجوم استهدف صواريخ طويلة المدى كانت في طريقها إلى "حزب الله" تحت عنوان "إحباط تسليح الحزب أيضاً".. بموازاة جزمه بأن "الإيرانيين لا ينجحون في تطبيق برنامجهم في سوريا منذ عملية اغتيال قائد (فيلق القدس) في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني".

إذاً، تتيح جهات أمنية وسياسية في اسرائيل تسريبات لعدد من الصحافيين المقربين منها، بغية توظيفها لبث رسائل دعائية موجهة لأطراف مختلفة في هذا التوقيت تحديداً: إيران والنظام السوري والرئيس المنتخب جو بايدن وحتى روسيا ودول الخليج التي طبَّعت معها للتو. وتتعزز المآرب الدعائية أكثر من كونها ضرورة أمنية ملحة بالنسبة لهجوم اسرائيل الأخير في سوريا.. لمجرد تقدير المحلل العسكري الاسرائيلي يوسي يهوشاع بأن التخطيط للهجوم تم منذ فترة طويلة. الأمر الذي يدفع إلى التساؤل: لماذا تنفيذه الآن وفي الأسبوع الأخير لولاية دونالد ترامب؟!

ناهيك عن أن المعلومات المغلوطة في معالجات وسائل إعلام بشأن ما جرى قد أثارت علامات استفهام حول ما إذا كانت إسرائيل قد بثت معلومات مضللة قصداً لتمويه الهجوم أكثر. فمثلاً، تمت الإشارة إلى استهداف مواد تستخدم للتصنيع النووي. فتساءل خبراء إسرائيليون: "ما حاجة إيران إلى تخزين هذه المواد في سوريا وهي تعلم أن الاخيرة ليست ملجأ آمناً لذلك؟!". كما ان طرح المحلل الإسرائيلي مفارقة بين نجاح إسرائيل في الجبهة السورية، وضعفها في التعامل مع جبهة غزة، قد كشف بالمحصلة عن فجوة في طريقة التعامل مع الجبهتين ما يستدعي دافعا إسرائيلياً تفرضه المقايضة والانتهازية السياسية لا الأمنية كلما سنحت الفرصة. وبهذا المعنى: هل كان الهجوم الأخير في سوريا سياسياً أكثر منه أمنياً؟

عموماً، جاء الهجوم الأخير وبعده ايعاز رئيس اركان الجيش الاسرائيلي كوخافي، الى المستوى السياسي بتبني وتمويل خطة ثلاثية لمواجهة "تهديد ايران النووي"، فيما أظهرت معطيات "المدن" أن حوار إسرائيل مع فريق بايدن السياسي منذ شهر، لبلورة تفاهم مشترك حيال الملف النووي الإيراني والعمليات في سوريا؛ منعاً للاشتباك السياسي- لم تسفر عن نتيجة حتى الآن.. بينما استبقت إسرائيل مجيء بايدن بضربات مكثفة في سوريا. وكأن إسرائيل ومعها إيران ترغبان بأجواء التصعيد أكثر من التصعيد نفسه على أمل الضغط المبكّر على بايدن!
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024