هل تريد الحكومة "الوصاية" على الاعلام؟

نذير رضا

الإثنين 2020/03/16


أثارت الحكومة اللبنانية مساء الأحد ارتباكاً اعلامياً، عندما شملت مقرراتها "التنسيق مع وسائل الاعلام" بخصوص البرامج والتحقيقات. فالعبارة، بالشكل، فضفاضة، لم تُفصّل بآلية عمل. 

أما في المضمون، فإنها تنتقص من أهلية الاعلام القانونية والتزامه بالمسؤولية الاجتماعية، وتتعاطى معه على أنه قاصر، يحتاج الى توجيه.

وتعدّ هذه القراءة لنص المادة السابعة من مقررات مجلس الوزراء الذي انعقد استثنائياً في قصر بعبدا بعد ظهر الاحد لمواكبة أزمة انتشار وباء "كورونا"، قراءة تخفيفية للتفسيرات التي قد تترتب على قرار مشابه. ذلك ان "التنسيق"، هو تعبير مخفف عن "وصاية" في بلد الحريات الاعلامية في لبنان. وبغياب أي تفسير عملي له، وتوضيح لمقاصده، فإن التدخل الحكومي بعمل وسائل الاعلام سيُقرأ على انه انزلاق نحو شمولية، تحت ضغط الازمة. 

فالمادة السابعة التي وردت في مقررات مجلس الوزراء مساء الاحد، نصت على: "تكلف وزيرة الاعلام والمجلس الوطني للأعلام وبالتوافق مع وزارة الصحة العامة ونقيبي الاطباء في بيروت وطرابلس التنسيق مع الوسائل الاعلامية كافة بشأن البرامج والتحقيقات المتعلقة بفيروس كورونا وكيفية التعاطي معه". 

كان يمكن أن توضح الحكومة التفسيرات لدى اعلان المادة، بالقول ان التنسيق يستهدف خدمة فكرة التعليم عن بُعد، أو الدفع نحو تعزيز الوقاية. في ذلك، كانت نجت من تفسيرات لدى بعض الاعلاميين وجدوا في المادة تقويضاً للتدفق الحر للمعلومات وحق الاختلاف والتنوّع.

لكن ذلك لم يحصل، ومنعاً للتأويل، أو لأن يتضمن القرار نوايا مبيّتة، في ظل عدم اشارة نقابة المحررين الى تفسير هذه النقطة في الاتصال مع وزيرة الاعلام منال عبد الصمد، يجب التذكير بالمبادئ الاساسية لطبيعة الاعلام اللبناني.   

فالمادة، في خلفياتها، تشير الى امتعاض حكومي من الاداء الاعلامي، علماً أن الأداء، بمعظمه، كان مسؤولاً. فهو صحّح الشائعات، وتولى دحضها. ولم يعمل على توهين العزائم في معركة مكافحة الفيروس. وهو، على تنوّعه، استند الى المصادر الحكومية لتقديم المعلومات طوال الازمة. 

المتغير الوحيد الذي طرأ، هو ارتفاع وتيرة الانتقاد السياسي للحكومة في بعض وسائل الاعلام (أم تي في نموذجاً)، ودفعها نحو حالة "اعلان طوارئ صحية"، فيما انتقدت وسائل اعلام أخرى المواطنين أنفسهم (مقدمة أل بي سي مساء الاحد) على خلفية التنزّه على كورنيش المنارة. وحملت بعض الانتقادات مضموناً سياسياً في مواجهة الحكومة، لكنه لا يتخطى الاصول والاعراف القانونية المعمول بها في لبنان التي تتواءم مع طبيعة العمل الاعلامي في لبنان "الحر"، والقائم على "حق الاختلاف".

ولأن المحتوى "المسؤول" تكرس خلال الأزمة، تصبح الدعوة للتنسيق على المحتوى، كما فهمها كثيرون من الاعلاميين، دعوة للتدجين ولتقويض التدفق الحر ولحق الاختلاف والتنوع والانتقاد. 

ما تتجاهله الحكومة، أن الاعلام في لبنان، قانوناً، ومجلساً وطنياً، لا يخضع لأي وصاية أو سلطة، ولا رقابة مسبقة. فالقانون لا يفرض هذا الامر، حتى في زمن الازمات، إذ يضطلع بدور استشاري، ولا يملك سلطة محاكمة أو اصدار أوامر. وهو، بالقانون، "الإطار الأشمل والأوسع انتشارا لتلبية حق المواطن في الإستعلام واستقاء الأخبار والمعلومات وفي ممارسة حرية الرأي والتعبير والمعتقد وهي الحقوق التي باتت من مبادئ حقوق الإنسان الأساسية في عصر ثورة المعلومات والاتصالات" بحسب ما كتب رئيس المجلس عبد الهادي محفوظ أخيراً. 

وحتى تحقيق اي تغيير في صلاحيات المجلس، لا يحق للحكومة، قانوناً، التدخل بالمحتوى. لذلك، هي مطالبة بتفسير قرارها، وتوضيح طبيعة التنسيق، منعاً للتأويل، وحماية لحق الاعلام باختيار مضمون "تحت مظلة القانون وضمن إطار الحريات المسؤولة"، وحماية للحريات الاعلامية. 
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024