صحافي إسرائيلي مولود في لبنان.."متعهد" تسريب الأخبار التطبيعية

أدهم مناصرة

الثلاثاء 2019/01/08
بغروره المعتاد، يواظب الكاتب الصحافي الإسرائيلي إيدي كوهين على اقتناص أي فرصة إعلامية لتمجيد التطبيع مع إسرائيل في مقابل إدانة العرب والحديث عما يُسميه "نفاقهم" وحالة الإنكار البائسة له. أحدث محطاته أن ادعى كشف أسماء نواب عراقيين (سُنّة وشيعة) أجروا زيارة للدولة العبرية ضمن وفود عديدة.
ويدّعي كوهين أن النواب العراقيين الذين وطأت أقدامهم، تل ابيب، هم: أحمد الجبوري، وأحمد الجربا، وعبد الرحيم الشمري وخالد المفرجي، والنائب السابق عبد الرحمن اللويزي كممثلين عن المكون السني، والنائبة عالية نصيف عن المكون الشيعي، معتبراً "أن جميع الأسماء سابقة الذكر تنكر زيارتها لإسرائيل لتفادي الإحراج أمام بلدها".

مزاعم كوهين جاءت بينما تلتزم الخارجية الإسرائيلية الصمت إزاء الحديث العلني عن اي اسماء، غير أنها تقر عموماً بزيارة ثلاثة وفود عراقية لإسرائيل خلال العام الأخير.
لكن.. ما مدى صدقية كوهين؟.. ولماذا هو تحديداً يتولى مسؤولية الكشف؟..ثم مِن أين حصل على هذه الأسماء إن كانت الزيارة فعلاً رسمية وسرية؟

ثمة وفد واحد، من أصل ثلاثة وفود، هو الذي جاء من طريق المتحدث باسم الخارجية الإسرائيلية حسن كعبية شخصياً أواخر العام 2017، وكان جلّ هذا الوفد من الصحافيين ومعظم أعضائه من أكراد العراق.
أما الوفدان العراقيان الآخران، فقد كان دور الخارجية في قدومهما، ترتيبياً وتنسيقياً من ناحية الإجراءات الفنية لا أكثر، كونهما أتيا عبر جهات إسرائيلية أخرى، قد تكون أكاديمية أو سياسية أو إقتصادية أو حتى أمنية. ولا يُعرف مَن تضمّنهم الوفدان من شخصيات وطبيعة مواقعها. 

وقد حاول صحافيون إسرائيليون التأكد من صحة الأسماء التي تحدث عنها كوهين، فردت الخارجية الاسرائيلية عليهم، بالقول: "إنها لا تعتقد أن هذه الأسماء صحيحة"، ثم قالت: "اسألوا كوهين لتعرفوا من أين جاء بالأسماء!".

والواقع، أن كوهين يبدو في مثل هذه الواقعة وكأنه يطرح نفسه كصاحب المعلومة الحصرية، كما هو الحال عندما يتحدث في أكثر من مرة عن مواضيع أخرى، لدرجة المبالغة وأحياناً المعلومة المغلوطة حول شؤون عديدة. 

ويُذكر في هذا المضمار عندما غرد قبل بضعة أشهر، في صفحته في تويتر، قائلاً "إن إسرائيل بصدد إطلاق باقة من القنوات الموجهة للجمهور العربي عبر (نايل سات) ويبلغ عددها 27". وعند استيضاح الأمر، ضحك مراقبون ومتخصصون في الشأن الإسرائيلي مما قاله كوهين، موضحين "أن هذا من وحي خياله؛ فهو غير صحيح على الإطلاق". والحق، أنه لم يتم التطرق إسرائيلياً إلى الموضوع منذ ذلك الحين.

ويظهر كوهين أنه يحرص على نشر اي شيء يُعلي شأن إسرائيل ويقلل من قيمة العرب، فتبدو مشكلة كوهين المولود في لبنان، أنه يعاني من عقدة أصوله العربية إلى حد الحساسية من العرب لدرجة التركيز على حاجتهم للتعلم من إسرائيل في كل شيء. وها هو يجسد هذه الحساسية عندما يصف العراقيين بأنهم "حطموا رقماً قياسياً في النفاق؛ فهم يزورون تل أبيب ثم ينكرون ويتهمون سلطات إقليم كردستان بأن لها علاقة مع إسرائيل". 

لكن مع ذلك، لا يمكن افتراض عدم صحة معلومة كوهين الذي يُرجح انه اعتمدها من مصدر وحيد، وليس على مصدرين فأكثر وفق ما تقتضيه مهنة الصحافة كمعيار لإعتماد خبر ما. 

وهو بدوره لا يُنكر ذلك. يقول كوهين إنه من الطبيعي ان تنكر الخارجية الإسرائيلية ما طرحتُ من أسماء مسؤولين عراقيين قدموا إلى اسرائيل؛ لأنها لا تريد "أن تفضحهم"، فضلاً عن اعترافه بأن لديه العديد من المصادر التي يأخذ منها معلومته حول المُطبّعين العرب، وتتنوع مصادره ما بين وزارة الخارجية الإسرائيلية أو مسؤولين مطلعين، وحتى أجهزة الأمن الاسرائيلي.

ولو افترضنا أن إيدي كوهين حصل على المعلومة من الأمن الإسرائيلي، أو مصدر آخر، فهل يعني هذا أن التسريب مقصود كوسيلة خبيثة من قبل إسرائيل لكشف زيارات التطبيع الرسمية أو الشخصية من خلال بث الأخبار عنها عبر صحافيين، وليس عبر القنوات الرسمية؟
لعل ذلك يكسر الجمود والحواجز النفسية عند بعض العرب لتعميق التطبيع أكثر أو تشجيع آخرين، كغاية إسرائيلية منشودة!

ويقول متخصصون في الشأن الإسرائيلي، لـ"المدن" إنه بالرغم من أن كوهين شخصية غير محترمة وعنجهية في طرح آرائها وألفاظها، إلا أنه مقرّب من المخابرات الإسرائيلية، وبالتالي فإن ما ينشره يكون معتمداً على معلومة صحيحة، ولهذا يصدق هؤلاء ما زعمه كوهين بهذا الخصوص. 

بدوره، يوضح الكاتب الصحافي المقيم داخل أراضي 48، نظير مجلي لـ"المدن"، إن الزيارات العراقية بدأت منذ العام 2012، موضحاً أن بعض الشخصيات جاءت إلى إسرائيل بغرض بحث ونقاش مسألة الأصول وأملاك اليهود الذين غادروا العراق تباعاً خلال عقود سبعة، وتحديداً قيمتها وكيفية التعويض على أصحابها، علاوة على ملفات ذات صلة بالعراق وسوريا. 

ويتحدث مجلي عن سبب لجوء إسرائيل إلى تكتيك التسريبات عن زيارات التطبيع العربية عبر صحافيين؛ إذ أنها تتم متعمدة بهدف كشف العلاقات مع شخصيات ودول عربية، خصوصاً أن العلاقة بدأت بشكل معين محصور في التعاون الأمني والآن تتطور بطريقة ثانية بحيث تصل إلى المرحلة السياسية والإقتصادية الشاملة، والعلنية على غرار دولة عُمان ودول أخرى. 

ويوضح مجلي أن إسرائيل عموماً، ورئيس وزرائها بنيامين نتنياهو خصوصاً، معنيان جداً بكشف أي شيء حول العلاقة مع الدول العربية؛ أملاً في ابتزازها وجرّها الى دائرة تعميق التطبيع لأقصى درجة، وذلك في أعقاب تردد بعض الدول العربية في المضي قدماً فيها قبل حل القضية الفلسطينية.

ويظهر نتنياهو انه غير مقتنع بمبررات زعماء عرب انهم لا يستطيعون تقديم ثمن سياسي للتطبيع وتعميقه من دون حل للقضية، على الأقل أمام شعوبهم والتاريخ، ولذلك يبتزها عبر التسريب، وفق رأي مجلي.

وبالعودة إلى ايدي كوهين، فإن إسرائيل تعتمد على العديد من الأكاديميين والصحافيين الذين يتقنون اللغة العربية جيداً ويحملون فكراً يمينياً للترويج لدعايتها امام الجمهور العربي. وينضم إلى ايدي كوهين، يوني بن مناحم، في عملية تسريب اي شيء للعالم العربي حسب الطلب وكلما أرادت إسرائيل.

وتعتمد الدوائر العليا في إسرائيل على بن مناحم في التسريب كون لغته العربية قوية، وهو يميني متطرف، وكان قد شغل منصب رئيس سلطة البث الإسرائيلية في وقت سابق.

وفي السياق، تكثف الصفحات الإسرائيلية الرسمية في مواقع التواصل الإجتماعي، هذه الأيام، لا سيما صفحة "إسرائيل تتكلم بالعربية"، نشر فيديوهات ومنشورات تُدرج زيارة نتيناهو الى عُمان العام الماضي، وما صاحبها من تنامٍ لعملية التطبيع مع الدول العربية، على أساس أنها من "أبرز الأحداث الهامة في سماء إسرائيل" خلال العام 2018.

كما تنشر الصفحة ذاتها رسماً كاريكاتورياً يُظهر أشخاصاً يرتدون أعلام خمسة دول عربية، وقد شبكوا أيديهم بسادس يرتدي علماً إسرائيلياً، والتعليق في الأعلى بعبارة: "السلام مع إسرائيل.. خلصنا من الإرهاب".  
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024