اسرائيل تكشف "حرب العقول" مع "حزب الله"

أدهم مناصرة

الجمعة 2020/10/09
الرسالة الأبرز من مُواظبة إسرائيل خلال السنتين الأخيرتين على الكشف الإعلامي والمشهدي عن موقع أو مصنع عسكري مزعوم في لبنان ذي صلة بمشروع "صواريخ حزب الله الدقيقة"، هي أن "حرب العقول" انتقلت من السرية التامة البحتة إلى تكتيك "ما بين السر والعلن".
فإسرائيل معنيّة بسريّة مهامها التجسّسية والعملياتية على الأرض اللبنانية لإعاقة مشروع صواريخ حزب الله "الدقيقة"، كما تقول.. لكنها باتت أيضاً حريصة على إخراج ما تيسّر إلى الإعلام بشأن جهودها الأمنية لإثبات "قدراتها الفائقة على اختراق حزب الله"، والقول للحزب والعالَم بطريقة تمزج بين التحذير والمُفاخرة "اننا ننتصر في حرب العقول أيضاً".. فلا يكفي ان تكون كلّ المعلومات الأمنية سرية!

هذا ما سعى رئيس قسم الأبحاث في شعبة الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية "أمان"، درور شالوم، أن يروج له في مقابلة خاصة أجرتها معه صحيفة "يديعوت أحرونوت" بمناسبة قرب انتهاء مهماته، حيث زعم "أن حزب الله يواجه صعوبات بسبب النشاط الاستخباري الاسرائيلي فوق الارض وتحت الأرض".

بدا شالوم، المُنسجم مع بروباغندا المؤسسة الرسمية في إسرائيل، مهتماً في هذه المقابلة بتسويق قدرة إسرائيل الاستخباراتية على اختراق حزب الله في إطار "حرب العقول"، إذ شدد على "أن حسن نصر الله يدرك مستوى تغلغل الإستخبارات الإسرائيلية في صفوف الحزب".

اللافت أن حديث شالوم أوحى- ولو بمستوى ضئيل- بأن اغتيال القوات الأميركية لقائد "فيلق القدس" الإيراني السابق قاسم سليماني، ليس بعيداً من "حرب العقول" التي تتمحور حول مشروع صواريخ حزب الله "الدقيقة".. فقد قال حرفياً هذا المسؤول الاستخباراتي الإسرائيلي: "دفع قاسم سليماني نصر الله نحو هذا المشروع. وانجرّ الأخير وراءه وبذلك هدّد نفسه".

ثم نلحظ في كلام درور شالوم، لهجة تهديد وتحذير في آن، وذلك باستبعاده "أن يبادر نصر الله الآن إلى إيقاف هذا المشروع، لكنه يدرك أن من شأنه أن يؤدي إلى اندلاع حرب ويمكنه عرقلة تنفيذه". 

وبالغوص أكثر في "حرب العقول" التي تستعر خلسةً بين حزب الله ودولة الاحتلال ومروراً بوسائلها وآلياتها، فإن إسرائيل تحرص على عدم الإعلان عن المسؤولية والمعلومات التي من شأنها أن تتسبب بمواجهة عسكرية مباشرة.. لكنها تعتمد على مسألة إنتقاء المعلومات الاستخباراتية التي يمكن الإفصاح عنها إعلامياً؛ ما دام ذلك في سياق المعركة السيكولوجية وتحذير حزب الله واحراجه أيضاً امام خصومه عبر الإدعاء أنه "مخترق ومن حيث لا يحتسب".

حاول مسؤول شعبة المعلومات في الاستخبارات الاسرائيلية، أن يُلمّح إلى تجنيد عملاء للاحتلال في صفوف حزب الله من أجل توفير المعلومة اللازمة، وليس فقط الاعتماد على اجهزة تكنولوجية تجسسية، وذلك بتعبيره عن "إدراك حسن نصر الله مستوى تغلغل استخباراتنا في صفوف الحزب".

وبناء على ما رصدته "المدن" خلال تتبعها لقراءات إسرائيلية متراكمة على مدار عامين متواصلين في وسائل الاعلام العبرية، فإن آلية جمع المعلومات الأمنية من سوريا ولبنان لصالح إسرائيل تعتمد على وسائل ثلاث. الأولى، تقوم على الأقمار التجسسية، والثانية من خلال اجهزة تكنولوجية دقيقة جداً يتم زرعها في العمق اللبناني وبطريقة لا تؤدي إلى كشفها ولا تثير الشكوك. وأما الثالثة فبواسطة عنصر بشري (عميل) يمثل حالة اختراق لإيران وحزب الله.. ولعل الوسيلة الثالثة هي التي تحاول أن تروجها إسرائيل إعلامياً في الآونة الأخيرة لتسجيل نقطة إنتصار لها واحراج لـ"عدوها" في إطار الحرب الخفية.

في سياق "حرب العقول"، لا يُمكن للإستخبارات الإسرائيلية ان تعتمد وسيلة واحدة لجمع المعلومات المساعدة على التصدي لمشروع امتلاك الحزب للصواريخ الدقيقة، فالمعلومة تماماً مثل الصورة، لا تكتمل إلّا بالإستناد إلى المعلومات المُجمَّعة من الوسائل الثلاثة سالفة الذكر. 

تدعي الدوائر الإستراتيجية الاسرائيلية أن حزب الله بدأ محاولة إنتاج هذه الصواريخ الدقيقة في لبنان بعدما وجدت إيران وحليفها حزب الله صعوبات بنقلها من سوريا إلى لبنان بسبب الضربات الإسرائيلية المكثفة.. وهنا نفهم أن لبنان إحدى ساحات "حرب العقول".

ويزعم الاحتلال الاسرائيلي أن المصنع الذي اقيم في لبنان لهذا الغرض يعتمد على تكنولوجيا تم تصنيعها في إيران وذلك لغاية تحويل القذائف الصاروخية بعيدة المدى إلى "دقيقة"؛ إذ تعمل التكنولوجيا الإيرانية على تقليص كمية المواد المتفجّرة في الصاروخ وإضافة جهاز مراقبة ليتحوّل إلى "دقيق".

لكن، إسرائيل تقول إنها تعمل بشكل مُكثف لإفشال تلك المحاولات لتحويل الصواريخ إلى دقيقة.. علماً أن مصادر إسرائيلية تحدثت سابقاً عن أن انفجار الضاحية الجنوبية الذي وقع العام الماضي عبر طائرة استطلاع إسرائيلية واحدة أو اثنتين، كان مرتبطاً بتفجير جهاز تكنولوجي تم نقله من إيران إلى بيروت لاستخدامه في عملية إنتاج الصواريخ "الدقيقة"، وفق الدعاية الأمنية الإسرائيلية الخفيّة.

وبمنظور اسرائيل، فإن الكشف الاخير عن مواقع لمحاولة إنتاج صواريخ دقيقة في بيروت انطوى على غاية أمنية ايضاً، حيث أن الكشف في حد ذاته بمثابة عامل إضافي يعطل عملية الإنتاج ويربكها ويشتتها؛ كون حزب الله سيهتم وقتها بتأمين مواقع جديدة غير مكشوفة وإجراء تحقيقات داخلية بشأن احتمالات الاختراق.

في المحصلة، تواصل الاستخبارات الإسرائيلية تمرير رسالة طمأنة للجمهور الاسرائيلي عبر الاعلام العبري، حيث تدعي ان عدد الصواريخ الدقيقة التي يمتلكها حزب الله بعدما تمكن من تهريبها عبر سوريا، لا يتجاوز العشرات، وأن هذا العدد لا يشكل خطراً حقيقياً على لإسرائيل.. ولذلك تواصل الأخيرة معركتها الخفية لإفشال محاولات إنتاجها على الأراضي اللبنانية، فتستعر أكثر حرب العقول.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024