الأخبار الزائفة في الثورة اللبنانية...حرب السلطة أم الجمهور؟

علي شهاب

الخميس 2019/10/31
إن كان من مؤامرة ملموسة في لبنان هذه الأيام، فهي محلية الصنع! فحجم الأخبار الزائفة ونوعها بات يفوق الواقع إلى درجة لم تعد معها أدوات التحقق عبر شبكة الإنترنت، وحدها، كافية لتمييز الحقيقة من الكذب، وبات التشكيك هو سيد الموقف للمراقبين غير المعنيين بالإنقسام السياسي على إستثمار الحراك أو إفشاله.

منذ اليوم الأول للحراك، بدأ سيل الأخبار الزائفة في الإنتشار في شبكات التواصل ومجموعات "واتسآب"، مدفوعاً بالإنحياز السياسي للمستخدمين و"رغبات" كل طرف. وبلغت الموجة ذروتها، مساء الاربعاء، حيث انشغلت ماكينات الأحزاب بإصدار نفي تلو الآخر للشائعات التي راجت في مواقع التواصل، وجرى إرسالها عبر مجموعات "واتسآب". 

وبدأت موجة الشائعات، التي ساهمت قنوات تلفزيونية في ترويجها أيضاً، منذ اليوم الاول للحراك. بدأت في الأيام الأولى لموجة الاحتجاجات، مع بيان "مفبرك" لاستقالة وزيرة الداخلية والبلديات ريّا الحسن. ورغم أنّ البيان لم يحوِ ختم الوزيرة، إلا أنه سرعان ما انتشر كالنار في الهشيم، ولم يعلم الرأي العام بزيفه إلا بعد ما يقارب الأربع ساعات.

وفي حين كان رجال السياسة في واشنطن، يغطون في نومٍ عميق بسبب فارق التوقيت، فضلًا عن أنّ أخبار لبنان في ذيل إهتمامهم هذه الفترة، كان النشطاء يتداولون خبرًا هوليووديًا عن تحذير أممي من التعرض للمتظاهرين تحت طائلة إرسال قوات دولية ووضع لبنان تحت الفصل السابع. واللطيف أن الخبر نُسب إلى صحيفة "واشنطن بوست" التي لم تأتِ على ذِكر الأحداث في لبنان حتى وقت متأخر وضمن تغطية خبرية بحتة.
حتى أن نصاً بالإنجليزية تم تداوله حول المعنى ذاته في الوسط الإعلامي، ليتبين لاحقًا بعد التدقيق في تقارير ومقالات "واشنطن بوست" عن لبنان، أن الخبر مفبرك جملة وتفصيلًا، علمًا أن اللغة الركيكة التي صيغ فيها يشير بوضوح إلى أنه صُنع في لبنان من قبل هواة.

الشخصيات الإشكالية كانت في معظمها ضحية للأخبار الكاذبة، فنال وزير الخارجية جبران باسيل نصيبه في تغريدة زائفة تتضمن تهديداً بالعنف ضد المتظاهرين.

وكرّت السبحة: خبر زائف حول تذكرة سفر الرئيس فؤاد السنيورة، صورة حول مشاركة ميا خليفة في التظاهرات، فيديو مرّكب حول فتاة تخلع ملابسها بالكامل على خلفية أغانٍ لبنانية تم دمجها في الفيديو، سقوط ضحايا في أكثر من منطقة خلال الاحتجاجات، القيادي في "حزب الله" هاشم صفي الدين يشارك في التظاهرات، سقوط النظام في حال بقاء التظاهرات 8 أيام مستمرة! وغيرها من مئات الأخبار الزائفة التي تبدو أقرب إلى أمنيات تراود خيال الأطراف السياسية في لبنان، كلٌ بحسب مصالحه.

لكن، لماذا يسهل تصديق هذه الأخبار، رغم عدم منطقيتها في كثير من الأحيان؟ ولماذا يميل الناس إلى تصديق الأخبار التي تتوافق وانحيازاتهم وانتماءاتهم؟

لعلّ إحدى نظريات سيغموند فرويد، عالم النفس الأشهر، تجيب على هذه الأسئلة.

تقود "الهو"، المسؤولة عن الغرائز والعمليات العقلية المكبوتة، الإنسان، نحو تحقيق الرغبات عبر مكافحة الواقع. في حالة الأخبار الزائفة، تتبلور هذه النظرية في كون الناس تحب "أن تتسلى" ببساطة! فمعظم الناس يحبون "القيل" و"القال". بعبارة أخرى، تساهم الأخبار الزائفة في "تعزية" أعماق النفس لنستطيع التغلب على الوقائع المحيطة بنا.

وإذا ما طبقنا الثابتة العلمية التي تقول بإننا منحازون إدراكيًا، فمن الطبيعي أن نميل إلى تصديق ومشاركة الأخبار التي تتناسب وهذا التحيّز (حتى لو كنا نعتقد أننا مستقلون وغير منتمين للأحزاب أو الجماعات).

ومن اللافت أن الجماعات التي تمتلك قناعات أيديولوجية، هي أكثر ميلاً إلى تصديق الأخبار الزائفة بسبب قوة الروابط في ما بينها، ولأنها أشدّ انحيازًا لأفكارها، علمًا أن نشر الأفكار بين هذه الجماعات يتم عادة وفق ما يُعرف باسم تأثير "صدى الغرفة"، فيقوم عناصر الجماعة أنفسهم بتكرار وترداد الشعارات من دون التفكير فيها عميقاً، ويصبحون أكثر استهلاكًا لها وارتباطًا لفظياً بمفردات تتعارض تمامأ والسلوك الذي تدعو إليه عقيدتهم نفسها!

وتكمن المشكلة الرئيسة، في مكافحة الأخبار الزائفة، أنها بطبيعتها أكثر جذبًا للجمهور، بناءً على التفسير النفسي السابق. وبالتالي، فإن التشكيك في كل ما نقرأه من محتوى عبر شبكات وتطبيقات التواصل يبقى هو الأسلوب الأنجع لعدم الوقوع في فخها.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024