فقه الفايسبوك: حذارِ "عاشقة الرسول" والحسَد والتباهي بالقراءة!

أحمد ناجي

السبت 2018/12/15
ما حدث بعد 30 يونيو لم يكن فقط مجزرة وحصاراً لتيار الإخوان المسلمين، بل امتد الأمر لينهي شبح مشروع الصحوة الإسلامية، وينفيه إلى الخليج وتركيا. ينظر الواحد حوله فلا يجد الإخوان ولا السلفيين، ولا الدعاة الجدد، ولا جماعات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ما تبقى في الساحة متحدثاً باسم الإسلام؛ تيار "داعش" وأخوته، ومؤسسة الأزهر التى تسعى إلى ملء الفراغ الذي شغلته تيارات الإسلام السياسي لسنوات.

جرّ الربيع العربي معظم التيارات الإسلامية إلى حلبة الصراع السياسي. وفي خلال سنوات قليلة، دهستها مجنزرات الدبابات، وقُطع عنها التمويل الذي لطالما تدفق من الخليج العربي. لكن الإسلام موجود من قبل هذه التيارات، بمئات السنين، وسيظل موجوداً. دين قادر على إنتاج الخطابات المتعددة وتشكيل الجماعات المتباينة. 

ومن هذا التيارات التى برزت حديثاً لتُقدم خطاباً إسلامياً دعوياً لا يتورط في الخلاف السياسي، ولا التعصب الجهادي، مجموعة شبكات "الألوكة" التي تأسست العام 2006 لكنها حافظت على وجودها حتى الآن، من دون أن ينصبّ عليها غضب أي من الأنظمة السياسية المختلفة، لتصبح شبكة تربط جيلاً جديداً من الباحثين في مجال الفقه والشريعة الإسلامية، يسعون إلى المعاصرة وتطوير الخطاب الفقهي. ومن أهم المواضيع التي يركزون عليها: آداب الفايسبوك وأحكامه الشرعية.

مثل كل مستحدث وجديد، كان موقف الجماعات السلفية من فايسبوك محذراً من مخاطره وأضراره، بل وصل الأمر إلى تحريمه. ففي العام 2010 أفتى الشيخ عبد الحميد الأطرش، رئيس لجنة الفتوى في الأزهر، بحرمة الدخول الى فايسبوك، واستند الشيخ إلى دراسة "المركز القومى للبحوث"، التي كشفت أن حالة طلاق من كل خمس حالات، تعود إلى اكتشاف الشريك وجود علاقة مع طرف آخر عبر فايسبوك. وبالتالي، رأى الشيخ الأطرش أن فايسبوك مفسدة ومعوَل هدم للأسرة.

لكن جاء انفجار الربيع العربي في 2011، ليعصف بفتوى دار الإفتاء، بل وليجبر الأزهر ودار الإفتاء على الدخول الى الشبكات الاجتماعية من فايسبوك الى انستغرام. وهكذا، تراجعت فتوى التحريم، لتظهر مجموعة متنوعة من الفتاوى والمسائل الفقهية تحاول التفريق بين الحلال والحرام، والمستحب والمكروه، في أخلاقيات المسلم الصغير في فايسبوك.

تنوعت الجدالات الفقهية بشأن فايسبوك، بدءاً من مسألة جواز إضافة الرجل للمرأة كـ"صديقة فايسبوكية". فهل يعتبر التشات بين الرجل والمرأة خلوة؟ هل صور السيلفي حلال؟ هل نشر الأدعية في الموقع، حلال أم حرام؟ أما أخطر وأشرس المعارك الفقهيه، فكانت في أبريل/نيسان الماضي، حينما بدأت التحقيقات الأميركية والأوروبية مع رئيس فايسبوك حول دوره في نشر الأخبار الكاذبة. وقتها، بدأ الموقع حملة لإغلاق الحسابات المزيفة، وحينها اجتمعت لجنة الفتوى في مصر، وأصدر مفتى الجمهورية شوقي علام، فتوى تفصيلية حرّم فيها بيع اللايكات الوهمية التي لا تعبّر عن زيارات مستخدمين حقيقين، واعتبره تصرفاً يندرج في خانة الغش التجاري.

لكن أخيراً، وبدعم كريم من منصة شبكة "الألوكة"، صدرت مجموعة من الكتب والاصدارات الفقهية التي تفصّل مختلف الجوانب الشرعية للفايسبوك، وأبرزها كتاب "الفايسبوك.. آدابه وأحكامه" لعلي محمد شوقي.

يهدى المؤلف كتابه الفقهي إلى "مخطوبتي"، ويعقب ذلك بقصيدة من الشعر العمودي تندرج تحت بند الغزل العفيف يقول فيها:

 "وكل زوج دائم بفطرته/ هو الذي يحب حق زوجته
والحمد لله على التمام/ بداية ختماً مع السلام"

ثم ينطلق ليفصل منهجه، حيث يرى أن فايسبوك من وسائل الاتصال التي تربط البشر ببعضهم البعض، مما يمنحنا مساحة لاستخدامه في مجال الدعوة. ثم تتنوع فصول الكتاب بين "الآداب المتعلقة ببيانات الصفحة الشخصية"، وآداب طلب الصداقة ورفضها والحظر، وآداب النشر الفايسبوكي، وآداب الإعجاب بالمنشور أو التعليق عليه، وأخيرا آداب المراسلات الفايسبوكية.

يستخدم شوقي قاعدة القياس الفقهي، جاعلاً من الموقع مجازاً للمجتمع الافتراضي، وبالتالي يلتقط من الآداب والأحكام الشرعية التي تنظم المجتمع المسلِم، ليحاول استنباط أحكام خاصة للفايسبوك. 

مثلاً في باب "آداب تسمية الصفحة"، يشير إلى أن الرسول –ص- كره التسمية ببعض الأسماء مثل "حرب" و"مرة"، وبالتالي لا تجوز تسمية الصفحة بهذه الأسماء. كما يكره تسمية الصفحة بأسماء الفساق من المغنين والمغنيات والممثلين والممثلات ونحوهم. ولأن الكتاب يتوجه في الأساس إلى السلفي الصغير، فهو يحذر بشدة من الشبهات التى تقع فيها بعض الأخوات في فايسبوك. فمثلاً، يحرّم استخدام اسم مثل "أسيرة القرآن"، لأنه اسم يحتمل المدح والذم. أيضاً يحذر الأخوات من استخدام أسماء مثل "عاشقة الرسول" أو عاشقة الله"، وذلك، مثلما يُفسر، "لأن مسألة العشق لا ترد في حق الله ولا في حق نبيّه –صل- ولا يجوز إطلاق لفظ العشق في حق الله ورسوله". طبعاً، أسماء مثل "الدلوعة، الحلوة المزيونة"، مُحرَّمة تماماً.
لكن الكتاب يبدي تحللاً وتطوراً كبيراً في بعض المواضع الأخرى. فمثلاً، مسألة الصور الفوتوغرافية والتي جرى العرف في الفقة السلفي على تحريمها، لما فيها من محاولة تشبه بخلق الله تعالى، يبدى المؤلف تسامحاً معها، مُصرّاً على أن الأصل في الأشياء الإباحة. لكن الإباحة لا تعني أيضاً السماح بتصوير السيلفي للنساء، أو السماح بتصوير كل ما هو محرّم أو مخالف للدين.

يتطرق الكتاب كذلك إلى بعض التفاصيل التي قد تغيب عن ذهن المستخدم العادي. فمثلاً، يحذر المؤلف من نشر أغلفة الكتب العلمية، أو التباهى بالقراءة، في إشارة إلى ظاهرة تحدي القراءة، محذراً من أن مثل هذه التصرفات قد توقع صاحبها في باب الرياء والبحث عن الشهرة، وهذه فتنة عظيمة. كذلك يحذر المؤلف من "الحسد" كمرض في القلوب، وكيف يساهم الفايسبوك في تزكيته. لذا على المستخدم المسلم تحاشي ما يثير مرض الحسد لدى الآخرين، لذا فمن المكروه وضع صور الأطفال ونحوه حماية للأطفال من الحسد.

يمتد كتاب شوقي في أكثر من 120 صفحة. ونظراً إلى تعدد أبوابه وتفاصيله فقد حاول باحث آخر، هو عمرو سادات الشيخ، وكنيته "أبو سفيان"، تلخيص أحكام الفايسبوك في قصيدته "المنظومة اللامية لكتاب الفايسبوك وآداب وأحكامه".

ونظم الشعر هو أحد وسائل توثيق والمعرفة ونشرها، وتسهيل حفظها على الناشرين من خلال تلخيص العلوم في شكل قصيدة عمودية ذات إيقاع وقافية. تبدأ القصيدة بالبيت التالي:

"فاحرص على آداب شرع مصلح/ في الـ"الفيس"، أو في غيره، تجملاً
تعاونن براً، وتقوى وقل "نعم"/ واحذر من الآثام واطرد لا بلا".

وبهذا النظم تستمر القصيدة بقافية اللام، حتى نصل إلى الجزء المتعلق بآداب المراسلات الفايسبوكية، حيث يوصى المستخدم بعدم استعجال الرد على رسائله قائلاً:

"وارج له عذراً إذا طال المدى/ ولا تظن سيئاً كن عادلا".


في شبكة "الألوكة"، نلاحظ أيضاً عدداً كبيراً من المقالات التى تتعلق بالشأن الفايسبوكي. فالحصار المفروض على النشاط الدعوي في المساجد، والعالم الواقعي، يتسلل فائدةً في الشبكات الاجتماعية. ويوماً بعد يوم، يتراجع الخطاب الفلسفي عن خطوطه الحمر، من التحريم المطلق، إلى الإباحة بشروط، ثم التخفف من تلك الشروط. كل الشروط بالطبع قابلة للمراجعة، وإعادة التفكير إلا ما قد يهز سيادة الذَّكَر على المرأة في الخطاب السلفي. فالصور التى كان ابن العثميين يحرمها، ويرى أنها جرم يقترب من الشِّرك، أصبحت مسموحة، لكن بالطبع غير مسموح للمرأة أن تظهر بصورتها ولا أن تتحرك في الشبكات الاجتماعية إلا من خلف حجاب من الأحكام الفقهية.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024