"يوم الصحافة" اللبناني: الاحتفال ترف

علي سعد

الأربعاء 2017/05/03
لا مجال في لبنان، اليوم، مع احتفال العالم باليوم العالمي لحرية الصحافة، لترف الاحتفال بالحرية الزائفة التي تمتلكها الصحافة، كما لم يعد ادعاء التفوق على مستوى الدول المجاورة في هذا المجال كافياً، لأن صحافة لبنان في المعيار العالمي ما زالت قاصرة عن أداء الدور المطلوب منها على مستوى تعزيز مناخات الحرية والسلام والأمن الاجتماعي.


وتم تصنيف لبنان من قبل منظمات معنية بحرية التعبير، ضمن 14 دولة عربية تنتهك معايير حرية التعبير والإعلام، فيما لا تحقق بقية الدول الحد الأدنى للوصول إلى مثل هذه القائمة.

هذا القصور في عمل الصحافة والاعلام في لبنان أضاء عليه مكتب اليونيسكو الاقليمي في بيروت ومؤسسة "مهارات" في لقاء بالتعاون مع مركز الأمم المتحدة للإعلام حمل عنوان "دور وسائل الإعلام في النهوض بمجتمعات سلميّة، ومنصفة، وشاملة".

لم يدافع أي من المحاضرين في اللقاء عن حرية الصحافة في لبنان ودورها على مستوى السلمية في تعاطيها مع الشأن العام، بل كان الميل أكثر نحو انتقاد هذا الدور الذي اتسم غالباً بالسلبية نتيجة تبعية وسائل الإعلام اللبنانية لكيانات حزبية طائفية ضيقة، وتبعية الصحافيين أنفسهم لمؤسساتهم، وهي تبعية غالباً ما تكون عن قناعة ذاتية.

وبمطلق الأحوال لا يمكن للصحافة اللبنانية اليوم أن تلعب دورها كإحدى وسائل التغيير الأساسية في المجتمع، بسبب غياب عوامل عديدة، لخصها في اللقاء عميد كلية الإعلام في الجامعة اللبنانية جورج صدقة، في "غياب الحرية والقانون والأخلاق الإعلامية"، كما وصف الإعلام اللبناني بأنه إعلام خاص يسعى لأهداف خاصة لا ترتقي غالباً للمصلحة العامة، مضيفاً أن "إعلامنا مرآة لمجتمع ضعيف ومتفكك. وهو إعلام تعبوي وترويجي يقدم دوره الدعائي على دوره الثقافي".

فمعايير الحرية نسبية وهي لا تتوقف عند حدود حرية الغير عندما يتعلق الأمر بمصالح الطوائف، والقانون اليوم يستخدم لكبح الحريات وأحكام محكمة المطبوعات شاهدة على ذلك، أما الأخلاق العالمية فهي في مسيرة انحدراية وصلت فيها الى أقصى درجات التحريض الطائفي وهدم ما تبقى من سلم أهلي في تلك المرحلة الحرجة من تاريخ لبنان والتي تلت اغتيال الرئيس رفيق الحريري ومازالت تبعاتها مستمرة الى اليوم.

هكذا حولت التبعية الإعلامية في لبنان وسطوة السلطة بشقيها السياسي والروحي عليها، حرية التعبير إلى مجرد شعار تستخدمه حتى الأنظمة القمعية والدكتاتوريات، قبل أن تقيده بعناوين مثل الإعلام المسؤول والتعريف المنحرف للسلم الأهلي وغيرها من المصطلحات التي تحولت بدورها إلى فعل مشبوه والى عملية تحجيم وقمع.

الأزمة تستفحل بمرور الوقت ونافذة الحل مغلقة، لأن المطلوب إصلاح جذري ينهي بذرة الصراع التي قامت على أساسها المؤسسات الإعلامية في لبنان، ويحولها من منصات هجومية، الى مؤسسات خدمة عامة هدفها الرئيسي المصلحة العامة، ولو ترافق ذلك مع طابع تجاري إعلاني.

لكن الشح المادي الذي يضرب الإعلام اللبناني يهدد بمزيد من تبعية الصحافيين، الذي باتوا يجدون أنفسهم فجأة من دون عمل، وهذا يوفر بيئة مناسبة لاستغلال الصحافيين في لقمة عيشهم، ويدفع أكثر نحو مزيد من المضامين التي تتنافى بشكل كلي مع صناعة السلام وتسبب مزيد من الإجهاض لمشروع الحرية في لبنان.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024