طوني خليفة وبذاءة "الرايتنغ"

رين قزي

الثلاثاء 2020/07/14
لم يكسب الاعلامي طوني خليفة هذه المرة أيضاً جولته في معركة حماية الأطفال المعرضين للتحرش والاغتصاب. صحيح أنه اجتاز نصف الاختبار، حين أحجمت الكاميرا عن تصوير وجه الطفل، لكن الوسم الذي استخدمه للتسويق لحلقته ليل الاثنين، لم يعفه من "الاثارة" لتأمين نسبة مشاهدة عالية. 

قبل ساعات من موعد بث الحلقة عبر قناته الخاصة في "انستغرام"، روّج خليفة للحلقة عبر هاشتاغ #الطفل_السوري_المغتصب. العنوان وحده كفيل بجذب المشاهدين، معتمداً على وقع العبارة التي لا تستوي في أدبيات الحماية المتوخاة لطفل تعرض للتعنيف والتحرش والاغتصاب، وانتشرت فيديوهاته في مواقع التواصل، ما دفع القوى الأمنية والقضاء اللبناني للتحرك، وتوقيف الفاعلين. 

فالاثارة المتوخاة لتحقيق "رايتنغ" أعلى، لم تلحظ أن وسم الطفل بعبارة "المغتصَب"، كافية لتتحول الى صيغة ولقب يرافقه مدى الحياة. وهو بذلك، سيكون بمواجهة دائمة على مدى سنين طويلة مع بيئة اجتماعية ستتعاطف معه، او تشفق عليه، ولن تنسى انه "الطفل المغتصب". فتخصيصه بعبارة لا تتضمن تعميماً، يستطيع النفاذ منها في بيئته، ولو أنها حقيقة وواقع غير قابل للنكران. 

والنقاش حول التقرير، يلحظ أمرين، أولهما الوسم، وثانيهما ظهوره وظهور أمه. وهو ظهور بغرض الاثارة التي لم يحد عنها خليفة منذ سنوات في برامج حوارية اجتماعية تبحث قبل كل شيء عن ضحايا سلوكيات غير أخلاقية، بغرض تحويلها الى قضية رأي عام. وبدلاً من البحث عن المتهمين وسلوكياتهم ورعونتهم، وتقديم ادلة اضافية توضع بعهدة القضاء تؤكد ان هؤلاء "وحوش"، ذهب الى الضحية من باب تأكيد مظلوميته، وبأنه ضحية أب هجر العائلة فأفقدها الحماية.. وما ظهور الأم الا لتأكيد هذا التوجه. 


لم تقل الأم ما يدين الوحوش الذين أوقفوا لدى القضاء اللبناني. تنكرت لمعرفتها بالحادثة التي وقعت قبل عامين، وباتت قضية رأي عام حين انتشرت الفيديوهات في مواقع التواصل. برّأت نفسها من المسؤولية، وهو كلام حق، ورمت خلفية المسؤولية على اب هجر العائلة، فأفقدها الحماية، وهو كلام حق أيضاً، لكنه لا يقدم ولا يؤخر في معرض حماية الطفل، ولا يكشف عن المعالجة المطلوبة لحالة طفل تعرض للأذى، وبالتالي، فإن ما قالته وما قدم في الحلقة لا ينطوي الا على تشهير بجروح طفلها.

هال خليفة هذا الانتقاد، واعتبره استهدافاً له، وهي مقاربة خاطئة لنقاشات حاولت تصويب ما حدث، لحضه على عدم استخدام اثارة ترويجية لحلقته أولاً، وللامتناع عن استضافة الضحية او عائلته. لا يكفي تصوير الضحية من الظَّهر للقول إنه وفر له الحماية، في وقت اطلع الآلاف على صورة أمه. هاجم منتقديه، مقتنعاً بما قدمه، ومصراً على أنه صواب إعلامي، فيما انزلق مقربون منه الى الدفاع من باب إدانة تجارب سابقة، هي محط إدانة بالتأكيد. 

واعتبرت المتخصصة في علم نفس الأطفال، زينة علوش، أن "حماية الطفل تقتضي عدم تعريضه للظهور الإعلامي حتى ولو كان الهدف، كما أتمناه أن يكون، مساندة الطفل والانتصار لقضيته"، وسألت: "لماذا نجعل منه مسرحاً للبصبصة وربما للشماتة؟". وأشارت إلى أن "مساعدة الطفل تقتضي الآن توفير مساعدة متخصصة ومشورة نفسية وإحاطة اجتماعية وحماية تشمل الأم أيضاً". وقالت: "تعبنا من لعب بعض الإعلاميين أدواراً ليست لهم. ولنفترض أن النية حسنة لماذا لا تتنتصرون للقضية عبر اللجوء إلى اختصاصيين في المجال". 

والحال ان النقد لما قدمه خليفة، يعتبر جزءاً من النضال لطي صفحة إعلامية مشوبة بضعف الثقافة الحقوقية عندما يصل الامر الى حقوق الاطفال. ولولا النضال السابق، لما تغير جزء من المعضلة، حتى الآن، لجهة الامتناع عن ظهور الطفل اعلامياً، واستجوابه بالحادثة وخصوصياتها. وهو نضال مستمر لإحاطة هذا الملف اعلامياً وفق توجه واحد، وهو إدانة الوحوش وملاحقتهم قضائياً وكشفهم اجتماعياً عبر التشهير بهم، تمهيداً لردع آخرين، اضافة الى الامتناع عن الاقتراب من العائلة للحؤول دون تعميق الأذى النفسي لأطفال تعرضوا لأقسى اختبار نفسي وجسدي يستدعي معالجة جدية. 
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024