أسرع طريق لجمع الثروات..أتراك يبحثون عن أحجار نيزكية

جو حمورة

الأحد 2021/03/28


في زمن الحَجر والأوبئة، يهتم الأفراد بمسائل متنوعة وغير اعتيادية. صحيح أن بعض الإهتمامات المستجدة تبدو عادية، كتعلّم لغات جديدة أو فن الطبخ، إلا أن غيرها، من تلك التي تظهر في وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام، تبدو غريبة في محتواها ومثيرة في أهدافها.


تعج وسائل التواصل الاجتماعية التركية حالياً بالباحثين عن الأحجار النيزكية في الأرياف. يبدو أن الأتراك العاديين قد تحمسوا لهذه المهمة، وفي خيالهم إمكان الثراء السريع والشهرة. 

عثر راعي أغنام في ولاية "توكات" التركية يدعى نورالله أفاجان، خلال شهر شباط / فبراير الماضي، على حوالى 70 كيلوغراماً من تلك الأحجار المنسية خلال تجواله في البراري. بعد التدقيق بنوعها في المراكز البحثية التركية، تم تقدير قيمتها بحوالى 200 ألف دولار أميركي، وذلك على الرغم من عدم تحديد الفترة الزمنية التي إرتطمت فيها بسطح الأرض.  

نقل الإعلام التركي الحادثة بشكل كبير ومقصود. يميل الإعلام التركي إلى نقل الأخبار الإيجابية والمتنوعة بشكل مبالغ فيه خلال الأشهر الأخيرة، حتى وإن كانت لا تطغى على الأخبار القادمة حول وباء "كورونا" الأكثر حضوراً وأثراً على المشاهدين. يبحث الإعلام التركي، وبما يشبه إيحاءاً من السلطات السياسية والإعلامية في البلاد، إلى زيادة منسوب الأخبار الإيجابية والممتعة، عسى أن تزيل بعضاً من أثار الأزمة الصحية عن الأتراك.

مع إنتشار خبر فوز الراعي بثروة من أحجار منسية في البراري، تحمس عدد كبير من الأتراك ليحذوا حذوه. راح بعضهم يبحث في أراضيهم أو يتذكرون أين شاهدوا أحجاراً غريبة الشكل والتكوين في جولاتهم السابقة في الطبيعة. تحوّلت الأرياف والبراري التركية إلى أشبه بمنجم ضخم يحتوي كنزاً مخفياً، ومكان تقام عليه جولات من قِبل رعاة الماعز والأغنام وغيرهم من الفلاحين والمزارعين والحالمين بالبحث عن إبرة في كومة قش.

ففي تركيا الكبيرة المساحة والمتنوعة الجغرافيا، مساحات واسعة من الأراضي غير المأهولة بالسكان، وخصوصاً في وسطها الأناضولي، قد تحتوي على كنوز مدفونة. كما أقيمت في تركيا، ومنذ عشرات السنوات، مراكز بحثية تعنى بالأحجار الكريمة والنيزكية حيث تتعاون تلك المراكز مع مثيلاتها في أوروبا وأميركا.

تلت تلك الرحلات المتأثرة بـ"راعي توكات" عرض الأتراك لما جمعوه من أحجار في وسائل التواصل الاجتماعي، إذ أنها الأداة الأفضل والأسرع لعرض مقتنياتهم الجديدة والتجارة بها. بالإضافة إلى ذلك، تم إختيار وسائل التواصل الإجتماعية لعدم قدرة معظمهم على دفع أموال للمراكز البحثية لإجراء فحوص على الأحجار.

تحوّلت وسائل التواصل الإجتماعية التركية إلى أشبه بمقلع حجارة، حيث يعرض كل شخص صورته مع ما غنِمه من الأرض. فيما البقية، وخصوصاً من سكان المدن، فتحوّلوا إلى "خبراء" في الأحجار الكريمة والنيزكية، حيث يقيّمون ما يرونه ويتوقعون قيمته المفترضة.

يتضمن القانون التركي بعض الإشارة إلى أن الكنوز التي توجد في الأرض التركية تعود ملكيتها للدولة، إلا أن السلطات المحلية لا تبدو مكترثة بملاحقة حقوقها القانونية والمالية في ما خص الأحجار النيزكية. يعود هذا الأمر لإنشغالها بمكافحة وباء كورونا أو لأن السلطات عادة ما تفقد حضورها وجديتها في تطبيق القوانين في  المناطق الريفية في الدول المركزية كالدولة التركية.

لقد تلقى الريفيون الأتراك عمليات البحث عن الأحجار النيزكية بشكل كبير وحماسي إذ أن البحث عن الغموض ومحاولة الثراء متأصلة عند أبناء المجتمع الريفي التركي. فالريفيون الأتراك، كأقرانهم الشرق أوسطيين من عرب وأكراد وغيرهم، يميلون إلى البحث عن الغموض وتحقيق ثراء سريع، وتنتشر في ما بينهم مرويات عن ذاك الجد الذي وجد جرة ذهب في مغارة، أو تلك الفتاة التي عثرت على تاج أميري مرصع بالذهب في قعر وادٍ مغمور بالأشجار.

تبقى وسائل الإعلام متنفساً للتعبير كما البحث عن جديد، وتحولت، في حالة الأتراك، إلى منصة لمحاولة كسب الثراء كذلك، والأهم أنها تبقى متنفساً للتمويه عن ضغوط الحياة والمشاكل الاقتصادية والسياسية والصحية المتزايدة، حيث يمكن لمسيرة في البرية أن تعطي صاحبها المحظوظ ربحاً صافياً بمئات آلاف الدولارات.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024