"هوم تويت هوم": الإلتقاء بدل الإيواء

ملاذ الزعبي

الأربعاء 2014/05/21
 لم يعد التغريد مقتصراً على المستخدم البشري، صارت الأشياء تغرد أيضاً. هذا المحو للأنواع، على تويتر، ظهر، بشكله الواضح، من خلال المنزل، الذي بناه برونو سبيكل في بورغوني الفرنسية، مستخدماً مهارته في علم التحكم، والكثير من الأسلاك، التي تتصل بالخوادم المعلوماتية، الموزعة حول المنزل وداخله. حمل المغرد العمراني إسم "Hometweethomme"، بحيث عرف نفسه في حسابه التويتري، بـ"أنا أول منزل مغرد، سكاني معتوهين قليلاً، أبحث عن رفاق منازل أو شقق". ذلك، أنه، وبعد تغيره إلى كائن قائمٍ بذاته الإلكترونية، قرر البحث عن أصحاب، علّه يجدهم بين متابعيه، الذين بلغ عددهم أكثر من 400، ملاحقين تغريداته، ومتفاعلين مع أخباره وأسئلته، كأنه مغردي بشري، وليس عبارة عن أرضية، وجدران، وسقف.

يخبر "هوم تويت هوم" عن أحواله اليومية، ما أن يبدأ الصباح، حتى يغرد عبارة "الشمس تشرق، يوم جميل آخر"، ويتبعها بتغريدة أخرى، "القهوة"، التي تدل على استيقاظ سبيكل من النوم. طوال ساعات النهار، يرصد المغرد تحركات أصحابه، يقول مثلاً أنه يشعر بحركة داخل المرآب، مثلما  يتحدث عن حرارة غرفه، ونسبة رطوبتها. هذا، وينبه سكانه إلى ضرورة الإعتناء به، فينذرهم بضرورة إطفاء لمبة الحمّام، أو إحكام غلق النوافذ. 
 
لكن، هذه الإستقلالية التغريدية، الشكلية على وجه التحديد، ليست تامة، إذ يستطيع سبيكل أن يتحكم بمنزله من خلال تطبيق هاتفي، أعدّه شخصياً من أجل ضبطه، والتدخل في تغريداته عندما تلح الحاجة. مع العلم أن سبيكل لا يسمح لـ"هوم تويت هوم" بتغريد كل الأحداث، التي تجري داخله، حفاظاً على خصوصية الأسرة، وتأكيداً على أن المستخدم الإنترنتي قادر على التحكم بالمعلومات المرتبطة بحياته الشخصية، لا سيما حين يعتمد نظام حماية، يصفه سبيكل بالـ"كلاسيكي"، لأنه مؤلف من الكابلات والخوادم السلكية. فلا يقدر أي مقرصن على تعطيله، أو اختراق بياناته، ومن ثم، الإخلال في تنظيم المنزل، وقلبه رأساً على عقب. ما يحصن "هوم تويت هوم"، ويغير أسلاكه إلى ما يشبه السور المرتفع من حوله، فيغرد المنزل، ويتواصل مع آخريه، الذين ينتمون إلى غير نوع، بطمأنينة.
 
هذا، ما يضاعف وظيفة المنزل، بوصفه مكاناً يشعر ساكنيه بالدعة والسكينة، لكنه، في الحين نفسه، يعيق مسعى "هوم تويت هوم" في التفلت من هوية المأوى، ليصبح مغرداً، يسعى إلى التعرف على آخرين، من نوعه العمراني. ففي هذا المجال، تبدو الأسلاك كأنها تحجز عليه، وتمنعه من ممارسة حقه في التغير إلى كائن تويترياً قائماً بذاته، وقبل ذلك، إلى مبنى مستقل عن أسرة سبيكل، من ناحية علاقته بـ"جسمه وأعضائه"، كالأبواب، والنوافذ، وغيرها، ومن جهة صلته بسكانه، الذين يتعاملون معه بالإحكام والضبط، على الرغم من هامش الحرية، أو بالأحرى شكلها، الذي يمنحوه إياه، عندما ينبههم إلى ضرورة إحترام قوانينه، والإبتعاد عن الخلل بها.
 
فأسرة سبيكل، بالنسبة لـ"هوم تويت هوم"، مصابة بـ"العته القليل"، لا سيما أنها من غير نوعه، لذا، وبالإستناد إلى رغبة بشرية، هي التواصل، قرر التفاعل مع آخرين من نوعه. عليه، لم يعد الإيواء فعله الأساسي، بل الإتصال، مثلما لم يعد، في النتيجة، منزلاً، بالمعنى الشائع، أي البيت، أو الملجأ. لقد تحول إلى كائن تفاعلي، وبالعطف على شكله العمراني، هو مكان إلتقاء، أي أنه، في هذا السياق التغريدي، تخلص من الجدران، والسقف، واكتف بالأرضية، التي يستخدمها كساحة، يستقبل فيها المتابعين، أو الأصدقاء. بالتغريد، يتحرر المنزل من معناه، وبإعلانه التفتيش عن آخرين من نوعه، مباني أو شقق مغردة، يحث كل وحدة عمرانية على التحول إلى ملتقى مأهول بالأصحاب، وليس الأسرة فقط. صحيح أن المنزل، وبطريقة ساخرة، يرغب في لقاء المماثلين له، كأنه يبتعد عن لقاء المختلفين عنه، غير أنه، بالرغبة نفسها، يدفع المشابهين له نحو التغير إلى مغردين، وإلى أرضيات منزلية، أو أمكنة تفاعلية، لاحقاً. 
 
بتحويله إلى مغرد، يخرج برونو سبيكل منزله من معناه، كمأوى، ليصبح بمثابة ملتقى، لا يشعر ساكنيه بالطمأنينة (sweet)، بل أنه يسعى إلى التواصل مع الآخرين (tweet)، المنتمين إلى نوعه. ما عاد المنزل موظفاً عند الأسرة، هو الآن يرغب في التفاعل التغريدي، في الإنتهاء من كونه منزلاً. هذا، ما صنعه سبيكل بيديه، وأسلاكه، ومعداته الإلكترونية، محاولاً ضبطه بتطبيق هاتفي، كأنه يلجم آلة ضخمة، قد يفقد القدرة على التحكم بنظامها، فتتكاثر في فرنسا، بعد أن ظهرت في الولايات المتحدة الأميركية، مطلقةً إنتفاضة المنازل على ساكنيها. فبعد قرون على احتوائها لهم، ستغرد المنزال مطالبةً ساكنيها بالمغادرة، وفي حال لم يحققوا تغريدتها، ستأخذ خطوة أخرى كي تصل إلى إخلائها. "هوم تويت هوم" هو أول منزل يتحول إلى عصفور مغرد، وقد يكون أول منزل يتحول إلى متمرد ضد ساكنيه.
 
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024