عون يصدم جمهوره: حملات التخوين مردودة!

نور الهاشم

الأربعاء 2021/04/14
لاذ جمهور "التيار الوطني الحر"، ومعه المزاودون على "السيادة الوطنية" و"الحقوق اللبنانية" بالصمت، إثر قرار رئيس الجمهورية بترحيل التوقيع على مرسوم تعديل الإحداثيات الجديدة، ضمن ملف ترسيم الحدود البحرية، الى حكومة تصريف الأعمال. يتقن هذا الجمهور الكيل بمكيالين. يتصرف على قاعدة أن الدفاع عن الحقوق، محصور فيه. وأن الوطنية فعل احتكار، وطريق لاستهداف الآخرين في خصوم السياسة. 

منذ الأحد، تكثفت حملة إلكترونية وإعلامية ضد "معرقلي" توقيع المرسوم الجديد. في وسائل الاعلام، مقالات وتحليلات تستهدف وزير الأشغال ميشال نجار، ومن ورائه رئيس "المردة" سليمان فرنجية. مقدمات إخبارية، ومقالات غير ممهورة يتم تناقلها عبر "واتسآب"، وتغريدات ومواقف في "تويتر" لبنان خوّنت من يدرس طلب التوقيع. 

وعبر تطبيق "زووم"، خبراء ومحللون يحاضرون في عشرات الأساتذة الجامعيين بغرض الضغط على نجار، للتوقيع، وفي "كلوب هاوس"، لا يترك محللون وخبراء في القانون الدولي والنفط، مجالاً للتفكير في أبعاد سياسية أو قانونية. وجد السياسيون أنفسهم في حالة انصياع لرأي ضاغط، كون المعركة مرتبطة بإسرائيل. فتهمة التخوين جاهزة، ويُراد منها استهداف الخصوم، مرة رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي قاد مفاوضات على مدى 10 سنوات للوصول الى اتفاق الإطار للانطلاق بمفاوضات الترسيم، ومرة أخرى الفريق الوزاري الذي وضع الإحداثيات الأولى في العام 2009، وأودع إحداثيات (النقطة 23) في 2010 في الأمم المتحدة، بموافقة جميع المكونات السياسية اللبنانية. 

كل هذه الحملة التي قامت بذريعة "تضييع حقوق لبنان"، خمدت عندما رُميت الكرة في ملعب الرئيس عون. انقلب الخطاب إلى "أسباب تقنية" و"أسباب جوهرية" دفعته إلى إحالة التوقيع إلى حكومة تصريف الأعمال. فأي نقاش في "تويتر" حول صلاحيات الرئيس في هذا الصدد، يواجهه الجمهور العوني ومؤيدوه من أطراف أخرى، بينها "حزب الله"، بذرائع قانونية. 

والواقع أن المقاربة اختلفت، فتخبط العونيون ومناصروهم في المزاودات السياسية. أربكهم الرئيس بقراره، وصدمهم، وبات البحث عن أسباب "وطنية" لتأجيل التوقيع، مهمة معقدة. فأي تبرير من هذا النوع، سيحبط المحاولات السابقة لتخوين الداعين الى الاستناد إلى أرضية قانونية صلبة في تعديل المرسوم. باتت تهم التخوين مردودة الآن. 

والمفارقة أن هذا الجمهور، على مدى أيام ثلاثة، رفض أي مقاربة سياسية. لم يحتمل أي نقاش غير قانوني من وجهة نظره، كما جَانَبَ البحث في رؤية الفريق المفاوض الذي وضع الإحداثيات الجديدة كخط تفاوضي – لا كخط قانوني. فالخط التفاوضي يعني أن البحث في المفاوضات سيوصل الى تسوية، نزولاً من سقوف مرتفعة وضعها. أما الخط القانوني فيعني عندها التنازل عن الحقوق. 

وحاذر هؤلاء في نقاشاتهم، الخوض في المقاربة السياسية التي يسعى لبنان عبرها الى إعادة الفريق المعادي الى طاولة المفاوضات، لا إبعاده عنها، وبالتالي تسريع استفادة لبنان من ثرواته، لا تأجيلها في عزّ المعركة المحتدمة دولياً التي تقودها اسرائيل. فالمعركة سياسية، بسلاح قانوني خارج المزاودات السياسية، وهو ما لا يدركه جمهور أُعطِيَ تعليمات لخوض معركة ضد خصوم السياسة، واستهدافهم. فلو لم يوقّع الوزير نجار، لكانت إدانته بالخيانة. وهو ما تجنبه، برمي الكرة في ملعب عون الذي أجّل التوقيع، لاستدراج أهداف سياسية، مرة على صعيد فتح ثغرات تفاوضية مع الولايات المتحدة، ومرة أخرى على صعيد محاولة تعويم حكومة تصريف الاعمال من هذا الباب، في ظل تعثر في مباحثات تشكيل حكومة الرئيس سعد الحريري. 

والحال إن خطاب السيادة الوطنية، والحقوق اللبنانية، يخضع لبازار المعارك السياسية. يحاول العونيون احتكار الوطنية، ما يشرّع تخوين الآخرين. هذا الذباب الالكتروني والاعلامي، لا يهدأ في مقاربة الملفات اللبنانية، من ملف المرسوم الجديد، الى المعركة ضد الفساد. يتبجّح التيار، ويصادر الحق السياسي والقانوني بالنقاش. ويبحث عن مبررات حين يخفق. قد يكون ذلك حقه السياسي، لكن تخوين الآخرين في معركة ضد اسرائيل باستخدام الذباب، ليس حقاً مشروعاً، بل تعدياً على حق الاختلاف السياسي.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024