عن حذر جنبلاط.. وصمته

نذير رضا

الأربعاء 2020/08/19
ليس من عادة رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط، الصمت في المنعطفات الكبرى. فهو أول المبادرين في العادة الى خطّ توجهات سياسية تصبح عنوان المرحلة. يسارع، فوراً، عند اي حدث، الى إبداء موقف، أو الإعلان عن مسار سياسي.. أو على الاقل، يعلن رأياً في حسابه في "تويتر". 

لكن حساب جنبلاط هذه المرة في "تويتر" صامت. كذلك وسائل الاعلام التي لم تنقل أي تصريح عنه. خلال سبعة أيام، نشر صورة بوجهين، لم يُفهم منها قصده، بعد ساعات على إعلان المحكمة الدولية الخاصة بلبنان حكمها الأخير بالمتورط بقتل الرئيس رفيق الحريري. 

هل خرج الملف اللبناني من الملعب المحلي؟ هل ينتظر وليد جنبلاط التطورات التالية، والاتصالات الدولية لبلورة حل؟ هل يتخوف من انفجار كبير في البلاد؟ أو تسوية كبرى؟ الى أين تتجه البلاد؟ هل هناك ضغط دولي باتجاه سلام مع اسرائيل يرفضه جنبلاط؟ هل هناك مقايضة دولية لسلام مقابل السماح باستخراج الغاز من البحر اللبناني؟ هل أقفلت التسويات الداخلية، وتلاشت المبادرات؟ من يؤسس لتغيير في النظام؟ ومن يرسم معالمه؟ 

تتسارع الأحداث منذ أسبوع، ولا يقول جنبلاط موقفاً. ثلاث دول كبرى، أرست أساطيلها على ساحل بيروت، في مشهد مكرر عن الإنزال الاميركي في العام 1958، وعن وصول القوى متعددة الجنسيات الى بيروت في العام 1983 في لحظة حاسمة لبلورة اتفاق 17 ايار الذي أسقطه جنبلاط ورئيس البرلمان نبيه بري، وقوى وطنية أخرى. 

اقتيدت البلاد الآن نحو التدويل: محكمة دولية، ولجنة تحقيق دولية (على الأقل مشاركة دولية بالتحقيقات) وصندوق نقد دولي، وطرح مسيحي نحو حياد أعلنه البطريرك بشارة الراعي، ما يعني أن السياسة الخارجية اللبنانية مجمدة... التدويل وقع.. فهل سُحب الحل (أو الاشتباك إستطراداً) من الملعب اللبناني؟ أين جنبلاط؟ وأين بري الذي عادة ما يخرج حلولاً من قبعته الساحرة، وقد طرحها أخيراً في استباق لأي مسعى دولي لصيغة جديدة للنظام، حيث دفع باتجاه الدولة المدنية؟ 

تحيط المرحلة غمامة كثيفة. لا قدرة لبري وجنبلاط، وهما عرّابا الحلول في البلاد منذ 12 عاماً على الأقل، على اختراقها. لا حكومة تتضح معالمها، ولا مقاربة دولية واضحة. حين يُسأل عن صمت جنبلاط، يأتي الرد بأنه لا يدلي بموقف. فهو حذر جداً من التصريحات والمواقف في هذه المرحلة. يلوذ البيك بالصمت، فيما يفترض آخرون موقفاً قريباً له. 

والحذر، بالنسبة لتجربة جنبلاط السياسية، والمعروف عنه، يعني الارتياب، بحيث لا تحتمل البلاد اي تصعيد، في وقت لا بيئة حاضنة للتهدئة، ولا معالم واضحة لتسوية. ثمة تنازع دولي على لبنان، واقتياد له باتجاه دور اقليمي. البلد الذي ينقسم عمودياً، ويتشظى سكانه المنشقون عن أحزابهم، لا تلوح معالم تسوية فيه، وليس في وسعه أن يحمل نتائج تترتب على دور أكبر من حجمه. حتى الحياد ينقسم حوله اللبنانيون، ولو بصمت، لأنهم يقعون في قلب المعادلة الصعبة، ولا طاقة للبلاد المفلسة، التي عادت الى العصر الحجري بفعل دمار المرفأ، على مواكبة أي خيار. 

صمت جنبلاط غير مريح. ليس صحيحاً ما يقوله البعض بأن رادارته معطلة، في زحمة التشويش الدولي والوفود الأجنبية. يلتقط جنبلاط كل الإشارات، لكن الوقت غير مناسب الآن لتحليلها. فالبلاد على مفترق طرق، وأول الريبة أن جنبلاط صامت، ولم يتفاعل الطرف المسيحي مع مبادرة بري تجاه الدولة المدنية، آخر خيارات إنقاذ البلاد وإحالتها الى الحياة من جديد. 
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024