جوائز سمير قصير:15عاماً من الدفاع عن حرية الصحافة

وليد بركسية

الأحد 2020/03/15

تخلد "جائزة سمير قصير لحرية الصحافة" التي تمنحها  "مؤسسة سمير قصير" بالشراكة مع الاتحاد الأوروبي، ذكرى الصحافي والكاتب اللبناني سمير قصير الذي اغتيل العام 2005. وفي دورتها الخامسة عشرة، مازالت تدافع عن قيم حرية التعبير والديموقراطية وتحتفي بالصحافة المستقلة في العالم العربي، في عصر الأخبار الكاذبة "Fake News" وتراجع الحريات في لبنان والمنطقة عموماً.

وطوال سنواتها الماضية، كرمت الجائزة 33 صحافياً، بواقع 11 من مصر و8 من سوريا و5 من لبنان و2 من فلسطين والمغرب و1 من تونس والأردن وليبيا والجزائر والعراق، وتضم لائحة الفائزين صحافيين يعيشون في المنفى، وآخرين يواجهون تحديات جمة لتأدية واجبهم المهني، ومعرضين أنفسهم للاضطهاد والتهديد وحريتهم وحياتهم للخطر. علماً أن عدد المشاركين في المسابقة خلال السنوات الماضية زاد عن 2500 صحافي من دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والخليج، ما يجعلها واحدة من الجوائز الدولية النادرة في مجال الصحافة في المنطقة.



والحال أن الجائزة تهتم بمواضيع معينة منذ إطلاقها في ٧ تشرين الأول/أكتوبر العام 2005. ولم يختلف نظام المسابقة خلال كل هذه السنوات سوى في شق واحد فقط، عبر زيادة فئة التحقيق المصور العام 2013 إلى جانب فئتي مواد الرأي والتحقيق الاستقصائي. أما المواضيع التي يجب أن تدور حولها المواد المشاركة، فلم تتغير، وهي دولة القانون وحقوق الإنسان والحكم الرشيد ومكافحة الفساد وحرية الرأي والتعبير والتنمية الديموقراطية والمشاركة المواطنية.

في كل سنة، تتألف لجنة التحكيم من سبعة أعضاء من جنسيات وخلفيات متعددة: أربعة حكام من العالم العربي، وثلاثة حكام من دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي. وشارك في لجان التحكيم السابقة صحافيون ومتخصصون في مجال الإعلام، ومدافعون عن حقوق الإنسان وخبراء وباحثون في هذا المجال، وناشطون في المجتمع المدني، ومسؤولون حكوميون سابقون "يشهد لمساهمتهم في إعلاء شأن قضايا حقوق الإنسان".

وإن كان الحدث السياسي طاغياً عند الحديث عن الشرق الأوسط، بكل بؤر النزاع المسلح المنتشرة فيه من جهة ومآلات الربيع العربي من جهة ثانية، فإن ذلك لا يعني تسييساً مقصوداً للجائزة وخيارات لجان تحكيمها المختلفة، حسبما أوضح المسؤول الإعلامي لـ"مؤسسة سمير قصير" جاد شحرور، مضيفاً أن "الحدث السياسي جذاب، لأن مواضيع الجائزة تبقى سياسية. والصحافي العربي عندما يقرر كتابة مادة ما حول حرية التعبير أو الحكم الرشيد أو الديموقراطية، يفتح تلقائياً معركة في بلده حول حدث سياسي مرتبط بموضوعه. وبالتالي فإن السياسة تفرض نفسها في هذا السياق لأن الجائزة حددت هذه الفئات التي يغلب عليها الطابع السياسي، كشرط للمشاركة بها".

وأضاف شحرور في حديث مع "المدن": "في كل عام يفرض الحدث السياسي نفسه على الجوائز بشكل تلقائي، ليس بتوجيه من لجنة الجائزة في كل عام، بل لأن الحدث السياسي فرض نفسه على الصحافيين. وبالطبع فإن تناول مواضيع الجائزة المجردة في المواد الصحافية لا يكون من ناحية تنظير حول تلك القيم، بل بالاستناد إلى المشاكل الموجودة في كل بلد. وإن كان هنالك حدث سياسي كبير أو نزاع عسكري مستمر، ستكون الكثير من المواد المقدمة للجائزة متمحورة حوله. المواد المقدمة للجائزة من سوريا مثلاً تتعلق دائماً بالثورة السورية أو بالأنظمة الدكتاتورية، أما المواد المقدمة من مصر فتتناول هذه المواضيع لكنها تتحدث أيضاً عن مواضيع مثل الاتجار بالبشر والتجارة الجنسية. ومنذ عامين فازت الصحافية أسماء شلبي بالجائزة حول تجارة الجنس والنساء في مصر".




يحيل ذلك إلى جدلية الآلية التي تحكم اختيار المواضيع الفائزة والطريقة التي تعتمدها الجائزة للفصل بين الجيد من الرديء ضمن المواد المقدمة، وإن كانت تلك المعايير تختلف تبعاً للأحداث السياسية الجارية كل عام وما تفرضه من تغيير في أولويات وسائل الإعلام، وأثر ذلك على خيارات لجان تحكيم الجائزة. وتبرز اليوم مثلاً قيمة إضافية للمواد الصحافية التي تتحدى الرقابة وخطاب السلطة، في لبنان وعدد من دول المنطقة، بسبب تراجع الحريات وازدياد حالات الاعتقال التعسفي والترهيب الذي قد يصل حد الإيذاء الجسدي والاختطاف والتعذيب وحتى الاغتيال.

وأوضحت الصحافية اللبنانية ديانا مقلد، عضو لجنة تحكيم الجائزة العام 2013، أن كل هذه الاعتبارات تأتي في مرحلة لاحقة ونهائية من التقييم، أي بعد الأخذ بالاعتبار في المرحلة الأولى مدى اكتمال المواضيع المقدمة من ناحية توفر العناصر المهنية الأساسية فيها. وأضافت في حديث مع "المدن": "عندما تصل عملية التقييم إلى المفاضلة بين عملين متساويين في الجودة المهنية، يتم النظر بكل تأكيد إلى الجانب السياسي ومدى حدثية الموضوع. وبالطبع فإن أي لجان محترفة في العالم ستأخذ بعين الاعتبار جانب الحدثية والضغط الراهن عند التقييم، لكن ذلك يكون متوائماً مع المعايير المهنية، لا يمكن الاكتفاء بجانب دون الآخر".

من جهته، قال المصور السوري عمار عبد ربه، عضو لجنة تحكيم الجائزة للعام 2019: "شخصياً ليس لدي حساسية خاصة تجاه المواضيع السائدة. التقييم في البداية قد يعتمد على مدى جدة الموضوع مقارنة بالمواضيع المكرورة. ورغم أن طريقة الطرح وزاوية المناقشة وأسلوب الكتابة تلعب دوراً في خلق متعة حقيقية أثناء قراءة المواضيع، إلا أن مدى غنى الموضوع بالمعلومات يبقى عنصراً حاسماً لأن الجائزة تبقى جائزة صحافية في النهاية وليست جائزة أدبية. وبالتالي يكون هنالك محاولة للتوفيق بين هذه المعطيات للوصول إلى التقييم بدلاً من الارتكاز على المتعارف عليه أو السائد في تلك اللحظة من مواضيع رائجة".

وأضاف: "بالطبع إذا كان أمامنا موضوعان أحدهما يمدح السلطة والآخر ينتقدها، سيكون هنالك ميل نحو دعم الموضوع المعارض. وهنالك كثير من المواضيع ذات الأهمية التي قد لا تتعلق بتحدي خطاب السلطة نفسها، مثل عمالة الأطفال أو الاتجار بالبشر، لكنها في الواقع تتحدى السيستم العام نفسه أو الأنظمة الاقتصادية. ويمتد ذلك نحو القضايا الاجتماعية مثلاً كالحديث عن العنصرية في المجتمعات العربية. كلها مواضيع ذات جاذبية بكل تأكيد".

في العام الماضي فاز موضوع سوري عن التعذيب في معقلات نظام الأسد للصحافي علي الابراهيم بالجائزة، ورغم أن الموضوع مطروق بكثرة حسب وصف عبد ربه إلا أنه كان جديداً ومختلفاً من ناحية الطرح و"شعرت بأني أقرأ الموضوع لأول مرة رغم أننا قرأنا كثيراً في السنوات الماضية عن موضوع التعذيب في سوريا".



وفي العام الحالي، تستقبل الجائزة طلبات الصحافيين الراغبين في المشاركة حتى 1 نيسان/أبريل المقبل، وسوف تتألف لجنة التحكيم من سبعة أعضاء مصوتين من وسائل إعلام عربية وأوروبية، وعضو مراقب واحد يمثل الاتحاد الأوروبي. وتعلن أسماء أعضاء اللجنة في يوم حفل توزيع الجوائز الذي سيقام في بيروت في 2 حزيران/يونيو المقبل، في ذكرى اغتيال سمير قصير.

وشهد لبنان تراجعاً في الحريات ومزيداً من حالات اعتقالات الناشطين والصحافيين، ما يعطي للجائزة هذا العام بعداً مختلفاً عن الأعوام الماضية، خصوصاً بعد الثورة اللبنانية التي انطلقت في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، وطالبت بتغيير النظام السياسي الطائفي في البلاد، وما تلاها من أزمات لاحقة خاصة بالحكومة والطبقة السياسية أو حتى أزمة المصارف.

ورغم ذلك، ركزت مقلد على أن "الجائزة ليست لبنانية فقط بل هي جائزة عربية، وبالتالي هنالك مواضيع بارزة أخرى، إلى جانب الموضوع اللبناني، مثل موضوع اللاجئين وموضوع الحريات في المنطقة وموضوع حقوق المرأة في عدة دول عربية وحتى موضوع فايروس كورونا المستجد. ومع كثرة الأحداث، ومن واقع خبرتي في اللجنة سابقاً، يجب أن يكون هنالك نقاش جدي عند تقييم أي مادة مقدمة، حول المواضيع في المجمل وماذا عالجت، لتحديد أولويات لجنة التحكيم حالياً بين النقاط السابقة وغيرها".

من جهته قال شحرور: "بالنسبة للمواضيع اللبنانية المقدمة لجوائز هذا العام، نتوقع أن الثورة اللبنانية ستترك أثرها على نوعية المواد المقدمة للجائزة هذا العام، خصوصاً أن هنالك بروزاً لمنصات إعلامية معارضة مثل ميغافون أو درج أو جريدة 17 تشرين. الصحافي الذي يريد اليوم الكتابة عن الحدث السياسي في البلد، سينتج مادة قد تكون أهم نوعاً ما من المواد المقدمة سابقاً، نتيجة الظرف السياسي الحالي".

والحال أن الجائزة واحدة من الفعاليات النادرة في المنطقة العربية التي تحتفي بقيمة حرية التعبير. وفي المؤتمر الصحافي الذي أطلق الدورة الجديدة من الجائزة، في شباط/فبراير الماضي، أعاد سفير الاتحاد الأوروبي في لبنان رالف طراف تأكيد "الالتزام الذي قطعه الاتحاد الأوروبي قبل 15 عاماً بمتابعة نضال سمير قصير من أجل حرية التعبير وصحافة حرة مستقلة". وقال أن "حرية التعبير هي في صلب قيم الاتحاد الأوروبي، ونحن ملتزمون بقوة بالدفاع عن وسائل الإعلام المستقلة وحماية حرية الصحافة وتعددية وسائل الإعلام".



في ضوء ذلك، علقت مقلد: "إذا فقد لبنان مساحة الحرية التي يتمتع بها فإنه يصبح بلداً بلا معنى. ويمكن تعميم ذلك بالمطلق، لا يوجد معنى لأي بلد من دون الحرية. ومهما انتشرت ادعاءات الاستقرار مقابل الحريات، في الدول العربية والخليجية تحديداً، هنالك حقيقة لا يمكن السكوت عنها وهي أن الناس تدفع حياتها ثمناً من دون وجود الشفافية والمباشرة والصراحة والوضوح في المعلومات، وتحديداً في اللحظات الحرجة".

وأشارت مقلد هنا إلى موضوع تفشي فايروس كورونا في كل من الصين وإيران اللتين تستثمران في الرقابة الداخلية، وحتى في الميليشيات الخارجية بالنسبة إلى طهران. وفي البلدين تم التعتيم على أخبار كورونا في البداية، لدرجة ترهيب واعتقال الأطباء الصينيين الذين حاولوا التحذير من الفايروس. وأضافت: "وللصحافة دور أساسي في لعب دور جوهري هنا، حيث ثبت بالملموس أن الاكتفاء بالحياة ضمن بروباغندا السلطة فقط يعني وجود خطر يهدد المستقبل والحياة. وبالتالي لا مناص من وجود صحافة مهنية مستقلة ذات مصداقية".

من جهته رأى عبد ربه: "الجائزة مهمة لأنه لا يوجد في الحقيقة جوائز عربية كثيرة تهتم بالصحافة المستقلة. نعرف جميعاً كيف تعاني المهنة من مشاكل، لكن ذلك لا يشكل سبباً للتوقف عن البحث عن الأفضل ضمن المهنة أو دعمه وتشجيعه. وبالطبع فإنه لا يوجد أي مشكلة بالشراكة مع الاتحاد الأوروبي، بل على العكس تماماً لكونه جهة سياسية تدافع عن قيم الديموقراطية في العالم. الجميل في الجائزة أيضاً، وهو ما ركزت عليه شخصياً عند تسليم الجائزة العام الماضي، أنها تمثل جائزة عربية بامتياز في بلد يصدر الخطاب العنصري وخطاب الكراهية، على الأقل من السلطة الحاكمة. وبالتالي من الجميل أن الجائزة تذكر سنوياً بعربية بيروت وماضيها ومركزيتها بالنسبة للعالم العربي، وكيف احتضنت العديد من الكتاب والصحافيين والفنانيين العرب الذين كانوا مضطهدين في بلدانهم، مثل نزار قباني ومحمود درويش".

وأكملت مقلد في هذا الصدد: "جائزة سمير قصير تبقى خارج نطاق جوائز المجاملة، أعرف شخصياً خلال عملي طوال 27 عاماً في الصحافة، عن مهرجانات وجوائز صحافية يغلب عليها العلاقات العامة والمقاربات الحكومية. لا يوجد جوائز تعنى بالصحافة العربية الحقيقية المستقلة والصحافة الجريئة والاستقصائية التي تتناول قضايا مهمة. بالطبع لا أقلل من قيمة الفائزين بأي جائزة لأن هنالك الكثير من الصحافيين الاحترافيين في المنطقة، لكن تقليد الجوائز في العالم العربي، سواء تلك الخاصة بالصحافة أو غيرها، يبقى خاضعاً للأجندات الرسمية وبالتالي لا يتم الاحتفاء بالصحافة المستقلة بشكل جدي".

وأشار شحرور إلى أن "ما يميز جائزة سمير قصير عن أي جائزة أخرى، هو طابعها الدولي ما يعطي الرابح بها أفقاً مهنياً أوسع بخلاف أي جائزة محلية يمكن أن يحصل عليها. كما توفر للفائزين دائرة من العلاقات الاجتماعية ضمن المهنة التي تساعد على تطوير المهنة والتفاعل بشكل إيجابي ضمنها. وتتمتع الجائزة بثقل وأهمية يعطيان مصداقية كبيرة للفائزين بها، خصوصاً أنها جائزة مدعومة من أحد أهم أركان المجتمع الدولي، الاتحاد الأوروبي".



ويجب القول أن مصداقية الجائزة تأتي من المعايير المهنية الواضحة فيها وعملية تصويت التي تجري بحضور مستمر من وفد الاتحاد الأوروبي في كافة الاجتماعات للتأكد من مسار العملية. وقالت مقلد أن "اختيار الشخصيات المشاركة في لجان التحكيم كل عام، يحيل إلى تنوع في المدارس الصحافية التي تمثلها تلك الشخصيات وخبراتها السابقة. وكل هذه عناصر تعطي مصداقية لجوائز سمير قصير. وبالمقارنة هنالك فرق شاسع بالمقارنة مع جوائز صحافة عربية تبقى فيها لجان التحكيم ثابتة طوال سنوات، وتوزع حسب الصحف الرسمية التابعة للأنظمة".

وفيما تتراجع مهنة الصحافة في كل أنحاء العالم بسبب الضغوطات الاقتصادية، فإن الظروف السياسية الصعبة قد تكون السبب الأساسي وراء تدهور الصحافة العربية وتراجع قيمة حرية التعبير. لكن الاحتفاء بالصحافة المستقلة يبقى مطلوباً ومهماً، علماً أن شكل الجائزة ودعمها الثابت للصحافيين بالإضافة إلى المجريات التي حدثت في المنطقة، كانت عوامل شجعت الصحافيين للتمسك بمهنتهم والدفاع عن حرية التعبير، وينعكس ذلك بأرقام المتقدمين للجائزة عاماً بعد عام. وقال شحرور: "في كل عام نلاحظ وجود تزايد تصاعدي في كمية الأعمال المقدمة للجائزة. والحديث هنا عن المواد التي تخضع لعملية تقييم أولي كي تكون صالحة للمشاركة في المسابقة. نحن نشجع الصحافيين من كل الدول العربية على المشاركة وبالتحديد دول الخليج العربي".

واللافت أن هنالك أشخاص لا يكتفون بالتقديم للجائزة مرة واحدة، فعلى سبيل المثال فاز الصحافي العراقي أسعد الزلزلي بالجائزة خلال عامين متتالين، 2017 و2018. وسلط ذلك عليه الضوء أكثر، كما تعرض لكثير من المضايقات بسبب عمله الصحافي وربحه للجائزة التي أعطته بدورها مصداقية أكثر ربما للمشاركة في جوائز أخرى حول العالم، وحتى مجالات عمل أوسع، حسب تعبير شحرور.

ومن خلاصة مشاركته في لجنة تحكيم الجائزة، قال عبد ربه أن أكثر ما أثر فيه كان الشعور العام بالألم الذي تضمنته المواضيع المقدمة، التي تحدثت عن الأنظمة الحاكمة والظلم والفقر والاتجار بالبشر، وغيرها. وبالطبع لا يمكن لوم الصحافيين على ذلك لأن أعمالهم تعكس الواقع العربي المظلم، وأكمل: "كنت أتمنى لو قرأت قصصاً إيجابية أكثر لكن تلك النوعية تبقى قليلة إجمالاً".

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024