الحرب السورية التي ولدت جيلاً من المصورين الصحافيين

المدن - ميديا

الإثنين 2021/09/06
عند اندلاع النزاع في سوريا، بالكاد كان كل من سمير وعمر وأنس قد أتموا سنوات المراهقة، لتقضي المعارك على أحلامهم، وتدمر بلدهم. ومع وجودهم في مدن محاصرة أو يصعب الخروج منها، باتت عيونهم وصورهم شاهدة على فظائع وانتهاكات طبعت سنوات الحرب. على غرار هؤلاء، وجد عشرات الشبان أنفسهم يعملون مصورين لوكالات الأنباء العالمية ووسائل إعلام كبرى، رغم أن شيئاً لم يربطهم بعالم التصوير قبل اندلاع الحرب، التي بدأت باحتجاجات شعبية سلمية منتصف آذار/مارس 2011، ما لبث أن قمعها النظام بقوة، لتتحول نزاعاً متشعب الأطراف.

ويستعيد سمير الدومي الذي يمثّل 16 مصوراً سورياً خصّص "مهرجان فيزا للصورة "معرضاً لهم في بربينيان، جنوب غرب فرنسا، المرة الأولى التي نشر فيها صوراً التقطها. وقال لوكالة "فرانس برس": "عند بدء الثورة العام 2011، نشر أشقائي الأكبر مني صوراً للتظاهرات المعارضة للنظام على مواقع التواصل الاجتماعي. وسرعان ما بدأت أفعل الأمر نفسه".

وفي مدينته دوما التي كانت تعدّ أبرز معقل للفصائل المعارضة قرب دمشق، وحاصرتها قوات النظام منذ العام 2013 حتى استعادت السيطرة عليها العام 2018، تخلّى سمير عن أن يصبح طبيب أسنان. وبات هاجسه توثيق ما يجري بتفاصيله، من غارات وحصار واحتماء المدنيين في الملاجئ.

وأوضح رئيس تحرير قسم التصوير في "فرانس برس" ستيفان أرنو: "اتضح حينها أنه لم يعد من المعقول على الإطلاق إرسال صحافيين أجانب إلى سوريا"، بعدما شكلوا "هدفاً رئيسياً لعمليات الخطف أو القتل". ونظمت "فرانس برس" حينها ورشة تدريب في تركيا جمعت نحو 15 "مواطناً صحافياً،" بهدف "تعليمهم أساسيات التصوير الصحافي ونقل توقعات الوكالة وميثاقها" إليهم.

ومع الوقت، بات نحو عشرة شبان منهم مصورين متعاونين مع "فرانس برس". وأوضح أرنو أن وجودهم كان ضرورياً، "لمواصلة توفير تغطية متوازنة بين المناطق الموالية للنظام والمعارضة له".

عند اندلاع الحرب، كان أنس خربوطلي قد أتم للتو عامه العشرين، فبدأ بالتقاط الصور. وبعد سنوات، تلقى اتصالاً من وكالة الأنباء الألمانية "دي بي إيه" للتعاون معه. وروى عن تلك الفترة، عبر الهاتف من محافظة إدلب السورية شمال غرب البلاد: "كنت بصدد متابعة دروسي لأصبح مهندساً. لكن الحياة أو بالأحرى الحرب قلبت خططي".

وفي إحدى صوره المعروضة في بربينيان، تظهر امرأتان محاطتان بعدد من الأطفال في ملجأ مدمر أمام قدر. وعلق خربوطلي: "كان ذلك خلال حصار الغوطة الشرقية، وكانت المرأتان تطهوان أعشاباً لتهدئة جوع أطفالهن"، بعدما فرضت قوات النظام حصاراً محكماً شكل شاهداً على مأساة السوريين خلال سنوات الحرب.

وفي صورة أخرى التقطها الدومي، تحتسي أم محمّد، امرأة في الستينيات، القهوة في منزلها الذي طاوله القصف. وقال بتأثر "إنها امرأة استثنائية. رغم أنها كانت مصابة، تولت الاهتمام بزوجها المشلول، وكافحت من أجل توفير المياه والطعام. وفي ساعات المساء، كانت تتابع دروساً لتعلم القراءة والكتابة".

وهنا، أبدى الدومي اعتزازه "بصور هؤلاء الناس العاديين الذين نجوا من الفظائع أكثر من الصور النمطية الأكثر إثارة". وبفضل سلسلة صور التقطها تظهر عمليات إنقاذ مدنيين من تحت الأنقاض، فاز الدومي اللاجئ حالياً في فرنسا، وهو مصور متعاون مع "فرانس برس"، بجائزة "وورلد برس فوتو" العام 2016.

إلى ذلك، اعتبر نائب رئيس قسم التصوير في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في "فرانس برس"، حسن مروة، أنّ هذه النجاحات "تشكّل دليلاً على أن كل هؤلاء الشباب يستحقون الاهتمام وأن نمنحهم الثقة". وأضاف: "قد نعتقد أحياناً أنّ بإمكان صحافي أجنبي أن يعالج موضوعاً ما بمزيد من الموضوعية، لكن عندما يخبر أحد السكان المحليين عن معاناة مواطنيه، فهذه طريقة مهمة لإظهار ما يجري حوله".

من محافظة إدلب حيث يقطن ويتعاون مع "فرانس برس"، أعرب عمر حاج قدور عن فخره بتحقيق العديد من أحلامه: "أن أصبح مصوراً صحافياً، وأفوز بجائزة دولية (جائزة فارين العام 2018)، وتُعرض صوري في مهرجان فيزا". وأضاف: "يبقى لي حلم آخر هو رؤية صوري معروضة في الخارج" موضحاً أنه يشعر أحياناً كما لو أنه "مسجون" في بلده.

ومنذ اندلاع النزاع، أخذ عمر على عاتقه مهمة أن "يعرف العالم المآسي التي تقع خلف أبواب مغلقة هنا. وما دامت الحرب لم تنته، فإن واجبي أن أبقى شاهداً" عليها، علماً أن الحرب السورية التي دخلت عامها الحادي عشر، تسببت بمقتل أكثر من 387 ألف شخص، وأدت الى نزوح وتشريد ملايين السكان داخل البلاد وخارجها.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024