"حزب الله" يكافح كورونا بالتجمّع والاكتظاظ.. والسيارات أميركية!

بتول خليل

الثلاثاء 2020/03/31
فرض دخول الطائرة الايرانية، التي حملت الحالات الأولى للمصابين بفيروس "كورونا" إلى لبنان، من خلال مطار بيروت، والكيفية التي تمّ بها الافراج عن العميل عامر الفاخوري، من خلال صفقة لكسب رضا الأميركيين باتت معلومة للجميع، وما تبعها من إحراج كبير لـ"حزب الله" الذي تعرّض إلى انتقاد كبير حتّى في أوساط جمهوره والمحسوبين عليه، وما تلاها من ظهور مكثف ومتكرر ومتقارب لأمين عام "حزب الله"، حسن نصر الله، تشكّل جميعها شواهد لعمق الأزمة التي يتخبّط فيها "حزب الله"، والتي لم يستطع إخفاءها عن مناصريه وبيئته الحاضنة، الذين يشكلون بالنسبة إليه علّة وجود وركيزة سطوته.


ومن مبدأ المثل القائل "ربّ ضارة نافعة"، سارع "حزب الله" إلى التفتيش عن مخرج لدرء الإحراج ودفع الامتعاض والتعليقات التي رافقت أداءه مؤخراً، ليجد فرصته الذهبية بتلميع صورته، من خلال تقديم نفسه بأنه الحريص الأوّل على صحّة أفراد مجتمعه والملبّي لنداء الواجب الوطني بتكريس طاقاته للصالح العام، من خلال إطلاقه لما دعاه "خطة الطوارىء الصحية"، معلناً تدريبه لطواقم طبية مؤلفة من آلاف من الأطباء والممرضين والمسعفين ومساعدين عاملين في القطاع الصحي، الأمر الذي استجلب له الثناء والشكر، من أعتى خصومه، لما قدّمه من مساهمة ومساعدة في القضاء على تبعات كابوس "كورونا"، بصرف النظر عن كلّ التحفظات التي برزت من هنا وهناك على الطريقة والأسلوب.

خصص "حزب الله"، اليوم، جولة للإعلاميين في المراكز التي أنشئت لهذا الغرض في الضاحية الجنوبية، لإطلاع الرأي العام من خلالهم على الاستعدادات التي قام بها لمواجهة تداعيات "كورونا". وتخلل الجولة مؤتمر صحافي عقده مسوؤل منطقة بيروت في الحزب، حسين فضل الله، في مبنى مركز الاجتماعي الصحي التابع لبلدية برج البراجنة، الكائن في منطقة الرويس، استعرض فيه كافة التفاصيل المتعلقة بهذا الموضوع ونواحيه اللوجستية والمعدات والعنصر البشري والإمكانات المادية.

التنظيم الدقيق الذي ظهر على الأرض لناحية الإعداد والتجهيزات احتوى على ثغرة تنظيمية كبرى، ألقت بظلالها على المشهد العام لكيفية التعامل مع التغطية الإعلامية. فالحزب الذي عُرف عنه التزامه أعلى مستويات الدقة والتنظيم في كلّ ما يقوم به، إن كان من مهرجانات أو احتفالات أو اجتماعات ومناسبات على الصعد كافة، تغافل عن خطيئة التساهل والتغاضي عن إجراءات الوقاية من "كورونا" بسماحه لحشود الإعلاميين والجماهير بالاكتظاظ والالتصاق بين الحضور، كتفاً على كتف وجنباً إلى جنب، الأمر الذي يعاكس بشدّة إجراءات الطوارىء ونصائح الخبراء، التي اعتبرت أن الحشود وعدم إفساح المجال بمسافات آمنة بين الأشخاص، هو الخطر والسبب الأول لتفشّي الفيروس بين الناس. وهو الأمر الذي ظهر في الصور التي تم تداولها في مواقع التواصل الاجتماعي، والتي أظهرت مدى ازدحام الخيمة التي تواجد فيها الصحافيون الذين دعاهم الحزب إلى الجولة الإعلامية المذكورة، مضافاً إليهم سكان المنطقة الذين انضموا إلى هذه الجولة.

"حزب الله" الذي كان من الواجب عليه الحرص على أن تكون مبادرته هذه نموذجاً يحتذى به، كان من المفترض به أن يتعامل مع هذه الحيثية بمسؤولية واهتمام أكبر، أولاً كحرص منه على سلامة جميع المتواجدين. وثانياً، في الرسالة التي ينقلها إلى الرأي العام عن ضرورة الالتزام بإجراءات الوقاية وحظر التجمّع، وإبعاد الخطر عن الحضور من خلال تخصيص يوم كامل للإعلاميين، من خلال استقبال ممثلي كلّ وسيلة إعلامية على حدة، ضمن إجراءات الوقاية والسلامة.

وهو ما يمكن تفسيره بأنّ الأولوية في هذا الحدث اليوم كانت لفرقعة إعلامية تهدف إلى طمس كلّ ما تمّ تداوله من انتقادات واعتراضات طاولت أداء الحزب مؤخراً، وهو أمر لم يفت بعض المغردين، الذين أبرزوا إلى جانب عدم رضاهم عن مشهد اليوم نفسه، استياءهم من كون غالبية السيارات التي يستعملها الحزب، أميركية الصنع، بما في ذلك سيارات الهيئة الصحية الإسلامية التي استعرضها في الجولة الإعلامية اليوم، معتبرين أنه يشكّل تناقضاً وازدواجية في الخطاب الذي يتبناه الحزب ضدّ أميركا وشيطنتها ومقاطعتها، مطالبين إياه بانسجام أكبر مع مبادئه وخطابه.

والجدير ذكره هنا بأن سلسلة الأحداث والمواقف التي ظهرت اليوم، ليست هي الأولى التي تظهر فيها تناقضات صارخة في هذا الإطار، إذ أن المسار التاريخي للحزب لطالما أشار إلى الكثير من مثيلاتها، وما حصل اليوم لا يعدو كونه جزءاً صغيراً منها.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024