.. وفي "اليوم السابع" نُفّذ الإعدام

أحمد ندا

السبت 2018/10/13
ماذا يمكن أن يقدم في الصحافة المصرية اليومية؟ 
السؤال يبدو، على بساطته، فخاً كبيراً من الصدامات غير المتوقعة مع الدولة بمختلف أجنحتها ومؤسساتها. فكل شيء -كل شيء حرفياً- واقع تحت تهديد التأويل المتعسف وتحت طائلة القصف المباشر باتهامات زعزعة الأمن وإشاعة أخبار كاذبة، وخدش الحياء العام ومخالفة القيم. هذه الاتهامات المطاطة، تمتد من حبس إسماعيل الإسكندراني، إلى منع إعلان تلفزيوني بسبب نكتة لا تتجاوز الخمس ثوان.

لا يمكن ألا ترد هذه الأفكار، بعد قراءة ومشاهدة موضوع "اليوم السابع" وفيديو استضافة "عشماوي"، لأسباب عديدة، أهمها فراغ الفكرة تماماً من أي محتوى. عدد من اللقطات وقف فيها محررو المؤسسة للتصوير مع منفذ حكم الإعدام. حتى بدا أنه أحد التدوينات الشخصية في "فايسبوك".

استضافت "اليوم السابع" مساعد شرطة في قطاع السجون، بعدما نفذ ما يقرب من 1300 حكم إعدام، بينها أكثر من 400 سيدة، وآخرها إعدام أسرة مكونة من أب وأم وابنتهما.

روى عشماوي لحظات إعدام عادل حبارة، ومتهمين عرب شركس، وقاتل هبه ابنة الفنانة ليلى غفران وصديقتها نادين، وإعدام محمود رمضان قاتل أطفال سيدي جابر بعد إلقائهم من أعلى عقار، والاثنين الصم والبكم مغتصبي فتاة الهرم، والسيدة قاتلة زوجها والتخلص من جثمان بمادة كاوية "بوطاس" في السويس، و"بابلو إسكوبار" مصر -عزت حنفي- وشقيقه حمدان.
وشرح عشماوي كيف يتم تنفيذ الحكم، وشروط التنفيذ، وأعضاء اللجنة المشكلة للتنفيذ، وأغرب طلبات المتهمين قبل تنفيذ حكم الإعدام، وأصل تسميته.

أصل تسمية الموظف المسؤول عن تنفيذ حكم الإعدام، "عشماوي"، استعيد عشرات المرات، حتى صار من موضوعات الحشو المصرية المعتادة، ولا قصة مثيرة في المسألة من الأساس، فتسمية عشماوي أتت من أول منفذ مشهور في عشرينات القرن الماضي، وعليه صار كل منفذ إعدام "عشماوي".

ما يثير الشكوك، وبعد خبرة في طريقة تفكير الإعلام المصري، يبدو أن استعادة عشماوي أتت بعد عشماوي آخر تحول إلى "تريند" رغماً عن الجميع، وهو الضابط هشام عشماوي. وبعيداً من تفاصيل وملابسات القبض على الضابط المصري الإرهابي المنشق، فإن الحكاية قد "أشعلت مواقع التواصل" والصحف والمواقع تباعاً.

فما حدث لم يخرج عن أحد سيناريوهين: أن أحد المحرريين في "اليوم السابع" قرر أن يستفيد من انتشار الاسم وامتصاص شعبيته في موضوع -أو بالأحرى اللاموضوع- ونفذ الفيديو بهذه الطريقة الغرائبية. والسيناريو الثاني أن ثمة جهة انزعجت من انتشار اسم هشام عشماوي أيضاً، فقررت التغطية عليه.

قد تبدو هذه السيناريوهات مثيرة للضحك، لكنها، إذا استبعدنا سبب تنفيذ هذا "اللاموضوع"، فستُبدي لنا حقائق محزنة، عن مدى الاستخفاف غير المهني وغير الإنساني الذي تعامل به الصحافيون مع فكرة الإعدام. فأن تكون باباً للطرافة، فهذا ليس محزناً فحسب، بل يوضح مدى الانهيار الذي وصل إليه الوعي الصحافي في مصر، وكيف صارت فكرة الموت، يومية واعتيادية، إلى الدرجة تحوله مشهداً يُعاد تمثيله ويستدر الضحك واصطفاف الصحافيين لأجل التصوير.

هل إنهاء الحياة شيء يدعو للفخر، حتى ولو على مستوي عقابي؟ 

العلنية، كما يذهب فوكو، تبثّ الرّعب في نفوس الجمهور الذي يتابع الحفل التعذيبي على اعتبار أن العلنيّة تثير العلّة والرهبة، ومن ثم يتحقّق الرّدع العام. فيغدو التنفيذ العقابي تجلّياً من تجلّيات القوة في مواجهة القوة الفردية للمجرم بما هي قوة لامتكافئة. 

لكن ذلك التحليل خص به فوكو العلنية "قبل" الدولة الحديثة، لأجل ترسيخ شرعية المَلك أمام رعاياه. ألا تؤكد مثل هذه الموضوعات، كمّ الوحشية الما قبل حداثوية التي تحاول الصحافة المصرية أن تركن إليها لترسيخ شرعيتها؟ ألا يدل على هشاشتها المفرطة؟

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024