يوم المرأة بأثر رجعي: حقها بوجودها التلقائي خارج المعارك!

يارا نحلة

الثلاثاء 2021/03/09
كيف نحتفي باليوم العالمي للمرأة؟ يتكرر هذا السؤال من كل عام. فهذه المناسبة المحيرة ليست عيداً دينياً أو وطنياً، ولا مناسبة ثورية أو تحررية، وتأتي من دون دليل يشرح طقوس إحيائها. هل هي مناسبة للاحتفال بالمرأة الناجحة والمناضلة؟ أم لرثاء حال المرأة المقهورة والمضطهدة؟ هل هو يوم مكرس للحب أم للغضب؟
في الأعوام الماضية، بدا خيار النزول الى الشوارع في مسيرات نسائية عمّت مدن العالم طريقة مناسبة لإحياء هذا العيد، وذلك باعتباره فرصة للتذكير بصراعات المرأة ومطالبها. لكن مع اغلاق الحيز العام بسبب كورونا، وهذه المرة أمام النساء والرجال سواسيةً، انحصرت سبل إحياء هذا اليوم الرمزي بالفضاء الافتراضي، ما أضفى عليه رمزيةً مضاعفة أفرغته من أي صفة ثورية، فبدت حفلة الخطابات والمواقف والمناوشات الجماعية مشهداً رتيباً لا طائل منه. 

على غرار احتفالات الميلاد التي تبدأ بإخراج شجرة العيد وزينتها من العلية حيث تقبع باقي أيام السنة، أخرجت الحسابات الاجتماعية عباراتها الجاهزة والمكررة سنوياً، وراح المغردون يغرفون منها شعارات واقتباسات ملهمة من شأنها تمكين المرأة والتربيت على كتفها. عبارات من قبيل "أشعري بعظمتك"، "الحياة أنثى" و"المرأة أساس المجتمع"، انتشرت بمختلف الصيغ واللغات حتى أفرغت من معناها. 

وكما كل عام، أبى بعض الذكور أن يتم اقصاؤهم من المشهد، فارتأوا التطفل عليه بإحدى الطريقتين؛ اما انتقاد هذه المناسبة والاستهزاء بها، أو اعلان مواقف التضامن والتحالف البطولية علّ المجتمع يصفق له. بالطبع لم يسلم أصحاب هذه المواقف من التوبيخ النسوي الذي دعاهم إلى العودة للصفوف الخلفية والاكتفاء بالاستماع، ولو ليوم واحد في السنة.

يمكن تشبيه هذه المشاهد الافتراضية بالمحاولة الفاشلة لنائب أسترالي ليبرالي، أراد تكريم المرأة في عيدها، فشارك صورة له وهو يقوم بتقديم وردة زهرية اللون لإمرأة مارة في الشارع. وبدلاً من الثناء والمديح الذي كان ينتظره، إنهالت عليه الانتقادات التي ذكرته بتقاعسه عن دوره في سن القوانين المنصفة للمرأة. ودعاه المغردون الى استثمار وقته وموقعه وامتيازاته بمشاريع أكثر فائدة من توزيع الزهور، كالمطالبة بتمثيل عادلٍ للنساء في حزبه. فيما اعتبر آخرون أن ما فعله النائب يندرج ضمن إطار التحرش ومضايقة النساء في الشارع.

عجّت المواقع الإخبارية العالمية بلوائح بأسماء النساء الأكثر نجاحاً وتألقاً، وقبل كل شيء، صاحبات الثروات. كما أطلت علينا بعضهن لمدّنا بنصائح حول "المهارات القيادية" التي علينا التحلي بها للتشبّه بهن. 

كذلك الأمر بالنسبة لنجمات السينما اللواتي تمت مشاركة مقاطع فيديو لهن أثناء تسلمهن الجوائز واقتناص الفرصة لتلقين سائر النساء دروساً في القوة والانجاز والاعتزاز بالنفس. دروس من قبيل "كوني شجاعة" ..."كوني قوية"... "كوني قدوة لنفسك وللآخرين"... وغيرها من التعليمات عن كيفية التحول من أنثى الى "إمرأة حقيقية". 

هذا الخطاب، ورغم حمله لواء التمكين وتعزيز ثقة المرأة في نفسها، لا يفضي سوى إلى تحميل المرأة مسؤوليات إضافية، وكأنه ليس لها الحق في التواجد بتلقائية، في مجرد أن "تكون"، من دون الحاجة الى رفع رايات القوة والتحدي وخوض المعارك نيابةً عن كل نساء العالم ونصرةً لهن.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024