باسيل وأجندة الفضح

نذير رضا

الأربعاء 2019/04/17
الأسئلة التي طُرِحت عقب تصريح وزير الخارجية جبران باسيل بخصوص خفض رواتب الموظفين، تنتقص الى الكثير من المعرفة بوزير الخارجية نفسه الذي تبرّع مراراً بأن يكون الانتحاري في السلطة، الذي يكشف مواقف لطالما تحفّظ الآخرون عن كشفها، مرة لهدف حصد شعبية، ومرة أخرى بهدف مخاطبة فئات دولية، ويبث رسائله عبر وسائل الاعلام. 
منذ إعلان موقفه في البرامية في صيدا، السبت الماضي، تكاثرت الأسئلة عن الهدف من كشف مستور، لم يثبت بعد في مشروع الموازنة العامة، وهو قابل للتبدّل والتعديل. ما كشفه، كان بمثابة "جسّ نبض" للشارع والقوى السياسية، تكفل باسيل به، وبنت السلطة عليه مواقفها لجهة الاجراءات التقشفية في الموازنة العامة. فقد تحسست نبض الشارع الذي عبّر عنه العسكريون المتقاعدون يوم الثلاثاء، وشاهدت التحرك اليوم الأربعاء، رغم يقينها بأن الشارع الذي يمثل خطراً جدياً هو الذي تحشده الأحزاب. 

غير أن باسيل، بخطوته "الانتحارية" كما يسميها خصومه، لها مدلولات أخرى. فإلى جانب "جسّ نبض" الشارع والقوى السياسية، يدرك أن الخفض سيُنفّذ حتماً، سواء طاوَل الفئات المهمشة، أو اقتصر على الموظفين من أصحاب الرواتب المرتفعة.

وبالتالي، فإنه يرسل رسالة الى المجتمع الدولي، يقول فيها أنه أحد عرّابي تنفيذ المطلوب من لبنان من اصلاحات وسياسة مالية تقشفية، لقاء الحصول على أموال واستثمارات "سيدر". يحاكي المجتمع الدولي الذي يطالب بأن تطاول التخفيضات رواتب الموظفين في القطاع العام، بالنظر الى أنها تستنزف 36% من موازنة المالية العامة. وسيقول لهم، برسالته، انه موجود حيث "لا يجرؤ الآخرون". 

على الصعيد الداخلي، يتبع باسيل سياسة الكشف نفسها، التي اتبعها منذ وصوله الى طاولة مجلس الوزراء قبل عشر سنوات. يتبرّع للكشف عما يتحفّظ الآخرون عن قوله من حقائق. تبرع في السابق للكشف عن الأسباب التي تحول دون منح المرأة اللبنانية المتزوجة من أجنبي جنسيتها لأولادها. ورفع الصوت ضد النازحين السوريين. تلك الملفات كان لها طابعها الشعبوي الداخلي، لجذب فئة من اللبنانيين يألفها هذا الخطاب. 

أما ملف خفض رواتب الموظفين، فقد وضعه في مواجهة مع الشارع، ومع المعارضة التي لقيها من عديله النائب شامل روكز، فضلاً عن مواجهة محتملة مع الكثير من القوى السياسية، بينها "حزب الله" و"حركة أمل" والحزب "التقدمي الاشتراكي". وهو ما دفع البعض الى وصف التصريح بـ"الانتحاري". 

لكنه في الواقع، ليس "انتحارياً"، بالنظر الى ان مسؤولي لبنان، أدرى بسكانه. يدرك أن ملفاً مشابهاً سيمر، بضغط دولي، وبموافقة جميع القوى السياسية، رغم أن بعضهم سيسجل المواقف الاعتراضية. لكن جميعهم يدركون بأن لا مناص من خفض الانفاق، للتخفيف من العجز في الموازنة. سيكسب الآخرين، المجتمع الدولي تحديداً، كعرّاب لمشروع، أو كطرف يسير مع الرئيس الحريري على الموجة السياسية نفسها. 

أما بخصوص توترات الشارع، فالجميع يدرك أن حجم الاعتراض الشعبي، بلا أي غطاء سياسي، لن يكون مؤثراً، إسوة بمظاهرات الحراك المدني خلال أزمة النفايات. سيثور الناس في فايسبوك، وستفتح الشاشات هواءها لهم، وفي النهاية سيعودون الى منازلهم، ذلك أن التحرك الشعبي، بلا غطاء سياسي، لا يمكن أن يؤدي أهدافه. 
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024