ثورة نسائية فلسطينية ضد العنف الأسري:19 شهيدة هذا العام

أدهم مناصرة

السبت 2019/10/05
"الثورة هيّ القرار على الذكوريّة والإستعمار".. كان هذا الشعار إيذاناً بإطلاق صفحة "وطن حر نساء حرة" الفايسبوكية، تزامناً مع ولادة حراك #طالعات في وجه ما اعتبرته ناشطات "عنفاً مستشرياً ذا بُعدٍ إجتماعي بحق نساء فلسطينيات".

سطع نجم حراك #طالعات في خضم أحداث عنف طالت فلسطينيات في الضفة الغربية وأدت إلى قتلهن أو إيذائهنّ، فأصبحت قضايا رأي عام بامتياز؛ مثل قضية إسراء غريّب، وأخيراً ما يتصل بامرأة ثلاثينية من جنين تعرضت لضرب عنيف على يد شقيقها ما تسبب بدخولها إلى مستشفى رام الله الحكومي. هذا بالتزامن مع تنامي جرائم القتل والعنف التي راحت ضحيتها أيضاً فلسطينيات يعشنَ في أراضي 48.

#طالعات وُلد للتوّ.. وصوته "لعلع"
بالرغم من أن الحراك وُلدَ للتوّ أي منذ فترة قصيرة جداً، إلا أن "صوته لعلع" وإستطاع أن يثير صدى داخلياً وعابراً للحدود؛ إذ حقق إنجازاً تمثّل بتوحيد وجدان المرأة الفلسطينية وإعلاء صوتها بغضّ النظر عن مكان تواجدها وخصوصيتها طبقاً لموقع إقامتها الجغرافي.. فإمتزج-لأول مرة- صوت نساء 48 مع نظيراتها في الضفة الغربية وقطاع غزة والشتات والمهجر.

لعلّ ما ذُكر أعلاه مثّل هدفاً رئيسياً لولادة #طالعات، وفق ما تقوله الناشطة في الحراك من داخل الخط الأخضر حلا مرشود لـ"المدن"؛ إذ تؤكد أن "الشرذمة التي عاشها الفلسطينيون تسببت بحالات عنف وإقتتال داخلي بمجتمعاتنا التي بعثرها الإحتلال"، فشكّل ذلك خصوصية للمرأة الفلسطينية المعنّفة، جعلت المعنى مغايِراً مقارنة بنظيرتها العربية. وهذا تطلّبَ حراكاً عابراً لهذه الشرذمة وللحدود، أملاً بالتحدث من أجل جميع نساء فلسطين في كافة مواقعهن.

والواقع، أن الحراك انطلق بداية في حيفا لوضع حد للعنف الذي يطال فلسطينيات 48، ولكن سُرعان ما أصبح شاملاً وجيّش ناشطات من مناطق فلسطينية مترامية الأطراف بالرغم من خصصوية كل منها، وذلك بعدما شهدنا عنفاً في مكان من المفروض أن يكون أكثر أمناً.. ألا وهو "المنزل والعائلة"، وفق ما تقول حلا مرشود. واعتبرت الأخيرة أن العنف مهما كان شكله أو نتيجته، فإنه لا يمثل حالات فردية وخاصة، بل تعني الكلّ الفلسطيني بإعتبارها قضايا مجتمعية، مبينة أن هناك تعنيفاً جسدياً ونفسياً وسياسياً وإجتماعياً واقتصادياً ومؤسساتياً تتعرض له المرأة الفلسطينية في ظل واقع استعماري وشرذمة مستمرة.


مستمرّات..
باكورة نشاط "#طالعات شهدناه يوم السادس والعشرين من أيلول/سبتمبر الماضي، حينما خرجت عشرات النّسوة في رام الله بمسيرة؛ نُصرةً لضحية ثلاثينية إسمها مها علاونة (منفصلة عن زوجها ولم ترَ أطفالها منذ ثلاث سنوات)، حيث قام شقيقها بطحن عظام قدميها بسبب مطالبتها بالعمل.. وتقاطعت مسيرة رام الله مع خروج #طالعات في القدس وحيفا ويافا والناصرة ورفح جنوب قطاع غزة، ووصولاً إلى برلين، وذلك كـ"صرخة موحدة" داعمة لنساء فلسطين.

بيدَ أنه لم يُسجل منذ نحو أسبوع، أي نشاط أو دعوات لتنظيم مسيرات جديدة تحت عنوان #طالعات سوى نشر صور على الصفحة الفايسبوكية خاصتها، لنساء من دول عربية لا سيما الجزائر يرفعن لافتة #طالعات كأسلوب تعبيري لدعم الفلسطينيات في معركتهن الإجتماعية وكذلك الوطنية.

غير أن الناشطة حلا مرشود توضّح لـ"المدن" أن الوقفات والمسيرات التي نُظّمت قبل أسبوع، ليست سوى بداية للمُراكمة نحو حراك وتجربة أوسع، مؤكدة أنهن مستمرات بثورتهن وأن تصعيداً وأنشطة أخرى سيتم الإعلان عنها لاحقاً.

ردود ذكورية فلسطينية متباينة!
في المقابل، لقي حراك #طالعات ردوداً متباينة من قبل الذكورية الفلسطينية في الموقع الأزرق (الفايسبوك)، فمنهم مَن بدا نصيراً لهنّ حتى النخاع حينما أعلن دعمه المُطلق لخطاب هذا الحراك وتوصيفاته لـ"الواقع المرير".. بينما راح البعض الآخر لإتباع مبدأ "مع ولكن.."، أي مع وقف العنف ضد المرأة وإنصافها، غير أنه لم يتفق على سوداوية الواقع ضد نساء فلسطين.

وهناك صنف ذكوري ثالث شن هجوماً لاذعاً على الحراك النسوي المذكور ومَن يقف وراءه، فاتهمه بـ"تشويه صورة الرجل الفلسطيني والحقيقة من أجل أجندات خاصة وخارجية"، على حد قوله. وذهب هذا الصنف إلى طرح سؤال مفاده: "لماذا لا نسمع صوتهن لنصرة الأسيرة إسراء جعابيص التي تشوه معالم وجهها بسبب الإحتلال، ثم انفصل عنها زوجها؟!..لماذا الإنتقائية في دعم امرأة دون أخرى؟!".

كما واستند صاحب هذا الرأي في نقده لمطالب #طالعات، أنهن تناسَين أن العنف والقتل يطال الكل الفلسطيني- ذكوراً وإناثاً- ولا ينحصران فقط بالمرأة، بل أن الأرقام- وفق قولهم- تُظهر أن الضحايا الذكور بجرائم القتل أكثر من النساء.


#طالعات جدّدنَ جدلية الخطاب النسوي 
وحراك #طالعات جدد جدلية خطاب المؤسسات الداعمة لحقوق النساء في المجتمع الفلسطيني ولكن بوتيرة أعلى هذه المرة، وتركز الخلاف على عدد النساء ضحايا جرائم القتل في الضفة الغربية وقطاع غزة منذ بداية العام الجاري.. فبينما تصر هذه المؤسسات أن العدد يبلغ 19 (14 في الضفة، و5 في قطاع غزة)، تنفي الشرطة الفلسطينية هذا الرقم سابق الذكر بالمطلق، وتقول إن عدد اللاتي فقدن حياتهن بجرائم قتل منذ بداية عام 2019 لا يزيد عن أربعة.

مع العلم أن التباين الرقمي هذا لم يقتصر على المقارنة بين رواية الشرطة وتلك الصادرة عن المؤسسات النسوية، بل ونرى مفارقة بين رواية الشرطة ووزيرة شؤون المرأة الفلسطينية آمال حمد التي تتفق مع الإستنتاج بأن عددهن يفوق ما تعلنه الشرطة؛ مبررة ذلك بأن العديد من حالات العنف والقتل لا تُسجل بالملفات تحت هذا العنوان لعدم توفر الدليل، كما أن توصيف "العنف" يبدو أنه خاضع لمعايير مختلفة لدى الشرطة عما توثقه المؤسسات الحقوقية المهتمة بشؤون المرأة... ولهذا نجد أنفسنا أمام رقمين رسميَّين متضادّين!

نحو دمج قضية المرأة بالخطاب التحرري 
عمل حراك #طالعات على ترسيخ خطابِ يردّ على منتقديه بحزم، من خلال التأكيد أنّ للناشطات دور وطني وليس اجتماعياً وجندرياً فحسب.. فهما متلازمان، وتم تكريس هذا الخطاب الدفاعي عبر نشر صور لمقدسيات يتصدّين لشرطة الإحتلال ووحشيتها.. ثم صورة لشابات يعتصمن في مقر الصليب الأحمر الدولي في رام الله منذ يومين، تضامناً مع الأسير سامر عربيد الذي يرقد بمستشفى إسرائيلي بعدما تعرض لضرب عنيف على يد محققي جهاز المخابرات الإسرائيلية "الشاباك".

لهذا، اتخذنَ #طالعات شعاراً يعتبر أن النضال ضد المجتمع الذكوري متوازياً مع مقاومة الإحتلال، فقالت الناشطات "إنها لثورة قرار..على الذكوريّة والإستعمار".. ثم نجدهن وقد كشفنَ عن أحد الأهداف المركزية للحراك وهو تحويل القضية النسوية لجزء من الخطاب التحرري الفلسطيني؛ ذلك أن هذه القضايا عادة ما يتم تهميشها ولا تلقى التعامل معها كأولوية، بحجة أن محاربة الإحتلال هي الأولوية، ثم تليها القضايا المجتمعية.. ولكن، صدح صوتهن عالياً، فصرخنا "الحرية لا تتجزأ".

على كل حال، يشدد حراك #طالعات على أن مهمته ليست توثيقية لقضايا العنف بحق النساء فهذه وظيفة مؤسسات مختصة، غير أن الحراك  يعمل أساساَ على صعيد مجتمعي واسع، مع توليه مهمة التنسيق بين الناشطات في مختلف المناطق بهدف تحديد الخطاب والأيدولجية والأنشطة المتعددة.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024