القضاء تعهّد بالاستجابة لشكوى الصحافيين..فهل يتوافر الغطاء لعويدات؟

يوسف ضاهر

الإثنين 2020/05/11
يحتاج مدعي عام التمييز، القاضي غسان عويدات، الى غطاء سياسي وإداري، للمضيّ في إحياء التعميم الصادر عن وزير العدل الأسبق، سليم جريصاتي، لجهة منع ملاحقة الصحافيين أمام القضاء العسكري. وهو غطاء إلزامي لأي قاضٍ أو مسؤول في الإدارة الرسمية. 
وعند توافره، يمكن للبنان أن يطوي صفحة ملاحقة الصحافيين أمام القضاء العسكري أو استدعائهم من قبل الأجهزة الأمنية، خلافاً للقانون ومسوغاته. وهو ما يطالب فيه الصحافيون اللبنانيون، وحولوه الى قضية رأي عام بعد استدعاء الزميل أيمن شروف من قبل مخابرات الجيش في البقاع. 

وعادت الاستدعاءات الأمنية بقوّة لتطارد الصحافيين والناشطين ومدوّني الرأي في وسائل التواصل الاجتماعي، وبرز في الأيام الماضية استدعاء مكتب استخبارات الجيش في راشيا للصحافي الزميل أيمن شرّوف، من دون إبلاغه دوافع استدعائه، والجرم أو الشبهة المنسوبة اليه.

وفتحت القضية الباب على مزيد من الضغوط التي تمارس على الإعلاميين المعارضين لنهج السلطة الحاكمة، التي لا تتورّع عن استخدام المؤسسات الأمنية والعسكرية في تطويع أو قمع معارضيها، وهو ما برز في التعامل القاسي مع المحتجين في الأيام الأخيرة، وتبرير ذلك بمسمّى "قمع المدنسين والمخرّبين". 


وفي موازاة الضبابية التي تحيط بقرار استدعاء أيمن شرّوف، تقدّمت وكيلة الأخير، المحامية ديالا شحادة، بمذكرة لدى النيابة العامة العسكرية، استفسرت فيها عمّا إذا صدرت أي إشارة أو تكليف من القضاء العسكري لمخابرات الجيش أو الشرطة العسكرية للتحقيق مع موكلها، الّا أنها لم تتلق أي إجابة حتى الآن.

ومع عودة الاستدعاءات غير المبررة وغير المفهومة في الشكل والمضمون، نفّذ صحافيون وناشطون، وقفة احتجاج أمام قصر العدل في بيروت، حاملين شعارات "قهوتكم مش مشروبة" في إشارة ساخرة إلى "فنجان القهوة" الشهير الذي اعتاد العسكر أن يدعو المدنيين لاحتسائه في مكاتبهم، إضافة إلى "تسقط الدولة البوليسية". وقام وفد ضمّ الزملاء الصحافيين ديانا مقلّد، جاد شحرور، وأيمن شرّوف، بزيارة النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات، صباح اليوم الإثنين، وبحث معه موضوع الاستدعاء، حيث استوضح النائب العام التمييزي من الوفد حقيقة ما حصل، وما إذا كان شرّوف كتب أي مقالة أو تغريدة تنطوي على قدح وذمّ تسبب باللجوء إلى هذا التصرف.

هنا أوضح الزملاء الثلاثة عدم وجود أي بلاغ رسمي، وبالتالي لا داعي لحصول "دردشة" بين صحافي وعسكري، وأن النقد في السياسة لا يعدّ قدحاً وذماً ولو كان ضد مؤسسة أمنية. 

وأطلع الوفد، القاضي عويدات على التعميم الصادر عن وزير العدل السابق سليم جريصاتي، الذي منع بموجبه ملاحقة الصحافيين أمام القضاء العسكري، وطالب بتطبيق هذا التعميم، وهنا اقترح القاضي عويدات على الزملاء الصحافيين، مقابلة وزيرة العدل ماري كلود نجم، وإطلاعها على تعميم سلفها جريصاتي، والطلب إليها أن تعمل على إعادة إحيائه وتحويله إليه (القاضي عويدات)، متعهداً بأن يأخذ على عاتقه وضع هذا قيد التنفيذ ووضع آلية واضحة لعدم استدعاء أي صحافي من قبل أي ضابطة عدلية". 

وإذ طالب الوفد بضرورة إحياء تعميم جريصاتي، دعا إلى "إضافة بنود عليه تتوافق مع حرية الصحافة، على أن يصار إلى طلب موعد للقاء وزيرة العدل، ومطالبتها بالتوقيع على التعميم وإحالته على القاضي عويدات لتنفيذه". 

مصدر قضائي قال لـ"المدن" أن القاضي عويدات، "كان متفهماً لقلق الصحافيين، وللموقف الرافض لاستدعائهم واستجوابهم أمام الضابطة العدلية".
 
وقال المصدر إنه "في غياب نص قانوني يحظر استدعاء الصحافيين إلى المراكز الأمنية، لا يمكن للنائب العام التمييزي تغيير الواقع، لكنّ في حال وجود تعميم لوزير العدل (السابق) يمكن حينها البناء عليه، وحصر استجواب الإعلاميين في المدعي العام أو في محكمة المطبوعات في حال وجود دعوى أو إخبار ضدّ أي منهم"، لافتاً إلى أنه "في استطاعة النائب العام التمييزي أن يطلب من المدعي العام المختص، سحب الإشارة التي أعطاها إلى الجهاز الأمني للاستماع الى الصحافي، لكن في قضية أيمن شرّوف، لا نعرف إذا كانت ثمة مذكرة أو تكليف من أي مرجع قضائي بحقه، وهذا الأمر موضع متابعة حتى تتضح الصورة".

وتتزايد حركة الاعتراض على استدعاء شرّوف إلى مخابرات الجيش، باعتبار أن جهاز المخابرات ليست من ضمن الضابطة لعدلية، الّا أن المصدر القضائي اعتبر في حديثه إلى "المدن" أن "مخابرات الجيش هي ضابطة عدلية لدى القضاء العسكري، وتنفّذ الاستنابات التي تصدر عن النيابة العامة العسكرية، خصوصاً في الجرائم التي تستهدف مؤسسة الجيش". وأضاف المصدر بأن "فرع التحقيق في مديرية المخابرات سبق له وحقق في مضمون مقالات وآراء تناولت المؤسسة العسكرية، لكن بعد انتهاء التحقيقات وإحالة نتائجها على النيابة العامة العسكرية، كانت الأخيرة إما تحفظ الملفّ، أو تحيله على محكمة المطبوعات، في حال انطوت النتيجة تنطوي على جرم أو قدح وذم". 

ويتجه محامون إلى الطلب من نقيب المحامين في بيروت ملحم خلف، التدخل من أجل منع مثول الصحافيين أمام الأجهزة الأمنية. وكشفت المحامية ديالا شحادة لـ"المدن"، أن المحامين والناشطين "سيطلبون من النقيب خلف أن يكون جزءاً من التحرّك الهادف لحماية الصحافيين، ووقف ممارسة الضغط النفسي عليهم". ودعت شحادة إلى "تطبيق المادة 49 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، التي تمنع على الضابطة العدلية استجواب المحامي، وأن يطبّق الأمر نفسه على الصحافيين". وقالت: "الأمر لا يتعلّق بأيمن شرّوف، بل بنظرة الأمن إلى الصحافة وكيفية التعامل معها".
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024