مَن يبني عندما يسقط البناء؟

فيرينا العميل

الأربعاء 2021/10/13
في الطائرة أنا.
جلست في المقعد الذي حجزته قبل يوم، بعدما أنهيت مكالماتي الهاتفية مع رفاقي عن الانتخابات الطلابية.
كنت آخر مَن يستقل الطائرة. دخلت وأفكاري تثقل رأسي.
أفكر في الاستحقاقات السياسية على مستوى البلد، والمعارضة، وكيف يمكننا أن نكسر النظام بكل نقاط الاشتباك، من دون أن نخسر أنفسنا.
كيف تسقط الأقنعة عن وجوه لطالما اعتبرتها رموز التغيير. كيف باتوا عبئاً عليه.

وأنا أمشي..
رافقني المضيف الى مقعدي، وإذ برجل عجوز، وفي يده كتاب، يجلس مكاني، فطلب منه أن ينتقل الى مقعده.
تبسمتُ له، ردّ السلام بنظرة باسمة من خلف كمّامته.
جلستُ، لأكمل أزمتي الوجودية، كالثكلى.
تسللت إلي فجأة ملامح السبعيني الذي يقلب صفحات كتابه. تذكرتُ جدّي. جدّي جورج رحمه الله. ذاك الذي ترك، منذ رحيله، فراغاً بداخلي لم تملأه الأيام، ولم يعوضه أي ممن عايشت حتى الآن. الجميع عابرو سبيل، هو كان سبيلي، من دون أن يدري. من بعده لم أستمتع بحديثٍ ولم يلهمني إنسان أو يبهرني ذكاء. هو مُربّي الأجيال الذي أحبّه كل من عرفه، من دون استثناء. هو الذي كان رمزاً للبساطة والحكمة والمعرفة والثقافة والعطاء بسخاء، ومن دون مقابل.

تذكرتُ كم تأثرت بصدقه، كيف كنت ألومه لأنه كان يعطي أكثر مما يلزم، يسامح أكثر مما يلزم.
تذكرتُ اني أحاول محاربة العالم صوناً لمبادئ تشرّبتها منه، وأرهقتني.
تذكرت أني كنت قد وعدت نفسي أن أكون مثله، لكن أقل سلميّة وأكثر شراسة. وألا أسكت عن الحق، ولو لم يترك لي ذلك صاحباً. كتبتُ ذلك في مدوّنتي منذ عشر سنوات.
تذكرتُ أني إخترتُ مسار الحقوق والعدالة لسبب.
تذكرتُ أني لم أُرد يوماً أن أكون شاهدة زور أو غافلة عن الحق.
لن أسكت عن أخطاء، ولن أبررها بمقتضيات المصلحة العامة.
لا يعلو أمرٌ فوق الحقيقة. ولا أولويات تبددها. كل ما يُبنى على باطلٍ سيبطُل. وكل مَن يشارك في البناء، مسؤولٌ عن إنهياره، حينما يقع وتتجلى هشاشته.
ومنَ ذا يبني عندما يسقط البناء؟
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024