حرب القلمون ما زالت تنتج المنشدين

نذير رضا

الأحد 2015/05/10

صوت الوعيد الذي ضجت به منطقة القلمون السورية العام الماضي، قبيل المعارك العسكرية بين طرفي النزاع، يتجدد هذا العام، من طرف واحد. درب الدعاية، يتماثل، بالتهديد، والوعيد بالموت. قبور فتحت، غنائياً، ضمن سياق المعركة النفسية، رغم أن هذا الجانب، تولته فصائل المعارضة السورية وحدها هذه المرة، على لسان منشد مجهول يحمل اسم أبو أحمد اليبرودي، مستلهماً من أدبيات العام الماضي، اللغة نفسها، التي لم ولن تخرج عن سياق "حفر القبور".

ويبدو أن معركة القلمون، الأولى والثانية، أنتجت منشدين وأناشيد، بما يتخطى جولات القتال. في ربيع 2014، خرج المنشد، المجهول آنذاك، علي بركات، بلغة الأمر العكسي. أمر مقاتلي حزب الله اللبناني، الذين يؤيدهم، بحسم معركة يبرود ثم رنكوس... كانت كلمات اناشيده في سياق مخاطبة الذات المحملة برسالة نفسية معاكسة للخصم. ردّ عليه مقاتلو المعارضة بنشيد في اتجاه واحد آنذاك تحت اسم "احفر قبرك في يبرود". كان بمثابة مخاطبة الآخر، عبر تهديده حفر قبره. انتهت الأناشيد مع نهاية الجولة الأولى من المعركة. همدت، وتضاءلت أدواتها التحشيدية، قبل أن تستعر مجدداً.

اليوم، ورغم أن المرحلة أنتجت النموذجين من المنشدين، (الإنشاد لدوافع دينية يتقاسمها الطرفان)، خفت صوت علي بركات، الذي بات نجماً في بيئته، بعد توقيفه والإفراج عنه لدى السلطات اللبنانية. وفيما تولت وسائل إعلام مرئية ومكتوبة مقربة من حزب الله، الشأن الدعائي لمعركة القلمون 2، تلاشت جدوى وظيفة علي بركات. وفي المقابل، تماهى اليبرودي بالنسق الدعائي القديم لحزب الله، عبر تكرار ما قدم في السابق، على سبيل شحذ الهمم، وإضعاف عزيمة الخصم بتهديد ربما لن يطلعوا عليه كونه محصور في موقع "يوتيوب". ولو أن ظاهرة علي بركات، كما ظاهرة اليبرودي، لن تغيّر في مسار معركة طاحنة، لا يمكن لأحد بالتنبؤ بنتائجها.

خلافاً للضعف المشهدي الذي اعترى فيديوهات سابقة، يزخم الشريط الحالي بمشاهد القتلى والقصف المدفعي. جُمعت الصور من وسائل إعلام معارضة، فضلاً عن صور اخرى من مواقع الكترونية، تنتفي إثرها فرضية انتماء الجهة المنتجة للشريط (شاهد سوريا) لطرف محدد. وهي التجربة الثانية لـ"شاهد سوريا" على صعيد انتاج الكليب الدعائي للميدان العسكري، بعد اصدار أفلام عديدة تتنوع بين الاخباري والتقريري والتهكمي والدعائي.

جُمعت صور شريط "احفر قبرك في القلمون"، من الذراع البصري لـ"جبهة النصرة"، كما من أذرع "جيش الفتح" والكتائب السورية المعارضة. مشاهد تخدم السياق: جثث في الأرض نُسبت الى مقاتلي حزب الله اللبناني، ونعوش محمولة على الأكتاف ومغطاة بالعلم الأصفر، ومشاهد قصف مدفعي يتولاه مقاتلو المعارضة. أما اللغة، فلا تخرج عن النمط الدعائي الذي اعتمد العام الماضي، في سياق الردّ... غير أن الصورة، بدت مثالية بالنسبة إلى جمهور معارض، شاهد الشريط ما يزيد عن 40 ألف مرة خلال خمسة ايام.

على أن الغرض الجديد من الشريط، خارج إطار جمهور قلموني معارض، لا يبدو قابلاً للمنافسة مع آلة دعائية متطورة لحزب الله، بأذرع متنوعة، أطلقت المعركة على الصفحات قبل وقوعها الفعلي. بدا الشريط، إياباً لمرحلة لجولة الذهاب التي أطلقها علي بركات، من غير أن يُحتضن. لا جديد في الشريط الجديد، سوى الإصرار على إظهار رأي يتشاركه منتجوه مع آلاف السوريين في الصف نفسه: لغة طائفية، لم تتطرق الى جدوى دخول الحزب في معركة خارج الحدود، وتفتقد في الوقت نفسه الى صورة المعركة الفعلية... وستبقى أسيرة "يوتيوب" فيما تستعر المعركة بأدواتها العسكرية والنفسية، وتكمل مسيرة القتل العبثي المتبادل.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024