قال الزميل: وضع المرأة ليس سيئاً..بدليل أنكنّ هنا لمناقشته!

نايا الحاج

الأربعاء 2020/03/11
في إحدى جلسات التوعية حول العنف القائم على النوع الاجتماعي، وبينما كنا نناقش واقع المرأة في مجتمعنا، انتفض أحد الزملاء معتبراً أننا نبالغ في وصف حال المرأة. وأننا نبالغ في الحديث عن التمييز والعنف الذي تتعرض له النساء. لكن الأسوأ في  كلام الزميل الذي يدعي الاهتمام بقضايا النساء، كان حجّته في الرد علينا، لنفي سوء حال النساء وإظهارنا وكأننا نبالغ في الحديث عن مظلومية الأثنى في لبنان. "ليس صحيحاً أن وضع المرأة بهذا السوء، فها أنتن هنا تناقشن المسألة"، قال الزميل. وكأن وجود صحافيات حول طاولة لمناقشة المسألة، الساعة التاسعة صباحاً، هو دليل على تحقق المساواة! فيا لعظمة المساواة التي نلناها! يمكننا الخروج من المنزل صباحاً والتوجه الى ندوة، والتحدث عن التمييز ضدنا. يا لوقاحتنا، ويا لنا من جاحدات، فكيف ننكر أننا بتنا مساويات للرجل في كل شيء؟

تفوّق الزميل ربما على المجتمع الذي يميز ضد المرأة، إذ يسمح لها الأخير بالخروج صباحاً من دون الادعاء بأنه منحها المساواة. وتصرُّف الزميل ليس جديداً، بل على العكس، إنه الفكر السائد. إنه ما تُواجَه به المرأة كلما طالبت بحق من حقوقها. تواجَه به من رجال ونساء، لا يدركون حجم الصراع الذي تعيشه المرأة في محاولتها عيش حياة شبه طبيعية في وطن يدعي الانفتاح. أو ربما يدركون وينكرون، لتبرئة أنفسهم من ذنب ظُلمها. لا يدرك هؤلاء أن الفتاة التي يرونها تخرج من منزلها في "وقت متأخر" لم يؤذن لها بذلك، بل انتزعت هذا الحق بمعركة خاضتها، وواجهت مخاطر وتهديدات. يجهلون أو يتجاهلون أن الفتاة لطالما قتلها الذنب لمجرد عيش تفاصيل سخيفة حُرِّمت عليها. أن الفتاة في مجتمعنا يقتلها ذنب اللمسة الأولى والقُبلة الأولى. تقتلها كلمة يطلقها متحرش، فتشعرها هي بذنب فعلته، لأن المجتمع يحمّلها هذه  المسؤولية، لأن المجتمع سرق منها الأمان وأخبرها أن جسدها لعنة فكرِهته.

لم ينتبه المُمنِّنون بالمساواة، أن من سعت إليها، واجهت قمع أب خضع لأحكام المجتمع الذي يسائله كل يوم عما تفعله ابنته. فإن تساهل الأب، خرجت أصوات الجيران والأقارب لتعيده إلى قمعه. لا يدرون أن الفتاة التي تختلط اليوم بأصدقاء ذكور، قد شعرت بذنب عظيم عندما وقفت صدفة مع زميلها الذكر خارج أسوار الجامعة مرة، وخشيت أن يلمحها قريب فتكون قد لطّخت جبين والدها بالعار. أن إعجاب شاب بها ذنب، وإعجابها بشاب ذنب، وشعورها بالحب ذنب، وكل حياتها ذنب لم ترتكبه. لقد كانت موؤودةً فوق التراب. لا يدرون كم تتألم الفتاة للحصول على حقوق، ليس عليها أصلاً أن تناضل من أجلها. أنّ من نالت بعضاً من حريتها، كانت قد انتفضت على القيود يوم قررت أن تحب نفسها وأن تحيا حياتها، وألا تخضع لأب خشيت أن تخسر ثقته، لكنها اكتشفت أن محبته لها لم تتخطّ حجم خوفه من أحكام المجتمع الذي سينتقدها مهما فعلت لمجرد أنها فتاة. فثارت على إرادة أب لم يكترث لأمرها، وهي التي قمعت رغباتها للحفاظ على غشاء يحفظ له ولمن سيستلمها من بعده، فخرهما. وكبتت مشاعرها كي لا تبدو "رخيصة". في المقابل، تحملت ذنب كل اعتداء جنسي طاولها، تحملت أن تلام بدلاً من المجرم إن فضحته، لكنها قاومت كي لا يُطلب منها السكوت على كل معتدٍ، حتى لا تُستغلّ أكثر وتُرمى بين أحضانه فيتمتع بها وتُقتل كل يوم فداءً لمتعته. حاربت كي لا يبقى الاعتداء الجنسي، أداة قمع، وكي لا يواجَه رأيها بعنف جنسي فلا يحاصرها مفهوم العرض والشرف.

فلا يمنّننّ أحد بالمساواة، امرأة انتفضت وقررت أن تنتزع حياتها من أيدي الرجل كي تحياها، فخاضت معارك يومية منحتها استقلالها المادي، فتراجعت سلطة الذكر عليها، لكنه ظل ممسكاً بها بكماشة القانون. امرأة، إن عجزوا عن الاستبداد بها، كابروا، وادّعوا منحها ما انتزعته بيديها، وطالبوها بشكرهم على تساهلهم وتسامحهم. لا. لا يحدثننا أحد عن مساواة نلناها، قبل أن تعيش كل فتاة حياتها من دون أن تضطر لخوض معارك يومية لتعيش ما تستطيعه منها. ولا تحدثوننا عن المساواة قبل أن نسترجع سلطتنا على أجسادنا، قبل أن يقفل المجتمع محاكمه التي تحضر المقصلة للمرأة حال خرجت عن طوعه، قبل ألا يعود على المرأة بذل جهود مضاعفة في العمل والجامعة لتثبت كفاءتها. لا تمنّنونا بالمساواة قبل كسر سطوة رجال الدين على إيماننا وحياتنا، قبل أن نتخلص من هيمنة رجال السياسة على المناصب العامة، ونكفّ أيديهم عن إعاقة تقدم المرأة في المجال العام. لا تمنّنوننا بما ننتزعه منكم، لا تكذبوا. فالمساواة لم تتحقق بعد، ومطالبنا محقة. وكل من تحررت من سطوتكم، بطلة انتصرت في معركة غير متكافئة، وستزداد البطلات أعداداً لتفرض المساواة يوماً ما، لتنظروا إلى المرأة كإنسان لا كأداة لإشباع ذكوريتكم وذكورة رجل ينتحل صفة "نسوي" ليتاجر بصفته المصطنعة.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024