حجب تسجيلات محكمة كوبلنز: "تفسير ضيّق" للقانون الألماني؟

المدن - ميديا

الجمعة 2021/10/01
احتج حقوقيون وصحافيون سوريون حول إمكانية الوصول إلى جلسات المحكمة الدستورية الألمانية في كوبلنز، أول محاكمة في العالم للتعذيب الذي مارسته الأجهزة الأمنية في سوريا، والذي تقيده "تفسيرات ضيقة" لنصوص في القانون الألماني.

وفي تموز/يوليو الماضي، طالبت 23 شخصية ألمانية قانونية ومؤسسات أكاديمية ومنظمات حقوقية مستقلة، بضرورة التسجيل الصوتي لجلسات محكمة "كوبلنز"، لأن دور التوثيق لا يقتصر على تسهيل تحقيق محاسبة مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا، بل يحفظ إفادات ضحايا التعذيب داخل السجون من أي تلفيق أو تعدّد الروايات المتضاربة.

ورفضت المحكمة في 3 أيلول/سبتمبر الماضي، إنشاء تسجيلات صوتية للمرحلة الأخيرة من جلسات الاستماع لمحاكمة رئيس قسم التحقيق في الفرع "251" أنور رسلان، التابع للمخابرات السورية بدمشق، حسبما نقلت وسائل إعلام سورية معارضة.

وأوضح الصحافي السوري والمدافع عن حقوق الإنسان منصور العمري، في حديث إلى صحيفة "عنب بلدي" المعارضة، أن حجة المحكمة برفضها إنشاء التسجيلات الصوتية، هي أن محاكمة "كوبلنز" لديها أهمية بارزة للتاريخ المعاصر للمجتمع المدني في سوريا، لكن لا يمكن استنتاج أهمية بارزة للمحاكمة بالنسبة لألمانيا، كأساس قانوني لتأمين التسجيلات الصوتية بموجب قانون المحاكم الألماني.

وتنص لمادة 169 من قانون المحاكم الألماني أن "التسجيلات الصوتية لجلسات الاستماع، بما في ذلك النطق بالحكم، قد تصرح بها المحكمة لأغراض أكاديمية أو تاريخية إذا كانت الإجراءات ذات الصلة ذات أهمية قصوى للتاريخ المعاصر لجمهورية ألمانيا الاتحادية"، مع وجود عدة شروط، وإذا ما كانت هذه التسجيلات ذات قيمة مهمة، و"لم تقبل المحفوظات الاتحادية، أو أرشيف الأراضي المعني" حفظ التسجيلات، فيتعيّن على المحكمة حذفها وفق البند الثاني من المادة "169".

واستند طلب إتاحة التسجيلات الصوتية لجلسات الاستماع في محاكمة "كوبلنز" إلى هذه المادة، باعتقاد الشخصيات والمنظمات القائمة على الطلب أن هذه المحاكمة مهمة لألمانيا كما هي بالنسبة لسوريا، إلا أن قرار المحكمة كان مناقضاً لذلك الاعتقاد، ما وصفته المحامية السورية والزميلة الباحثة ببرنامج الجرائم الدولية والمحاسبة في "المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان" جمانة سيف بأنه "تفسير ضيّق" للقانون الألماني.

والحال أن المدعي العام في المحكمة فرض شروطاً في وصف الجريمة كي ترقى لمستوى الأهمية القصوى لألمانيا، منها أن تكون الجريمة كجريمة حرب أو جرائم ضد الإنسانية، بحسب القانون الألماني، والجرائم التي اُتهم بها رسلان تدخل ضمن دائرة تلك الجرائم، وفق سيف. وتتضمن لائحة الاتهام لرسلان، جرائم التعذيب والحرمان الشديد من الحرية والعنف الجنسي والقتل كجرائم ضد الإنسانية، والضلوع في جريمة قتل بموجب القانون الجنائي الألماني.

واعتبر العمري أن رفض المحكمة إتاحة التسجيلات الصوتية لجلسات الاستماع لإفادة الشهود وضحايا التعذيب، هو "أحد الجوانب السلبية للولاية القضائية العالمية في ألمانيا، وحرمان السوريين من أرشيف رسمي للمحاكمة"، علماً أن "الولاية القضائية العالمية" هي إحدى الأدوات الأساسية لضمان منع وقوع انتهاكات القانون الدولي الإنساني، والمعاقبة عليها في حال ارتكابها من خلال فرض العقوبات الجنائية.

وكتب العمري، الذي يحمل درجة الماجستير بالقانون في العدالة الانتقالية، في "عنب بلدي" سابقاً، أن المحكمة لم توثّق المحاكمة بشكل كامل، أي أنه لا يوجد أرشيف حرفي لكل ما يدور في المحكمة، وهي فرصة ضائعة ويجب العمل لإصلاحها. واعتبر مراراً أن مثل هذه الوثائق ستكون ذات قيمة عالية في أي عملية انتقالية بالنسبة للسوريين، لفهم ومعالجة آلة إبادة الدولة.

وفي الوقت الذي تحظر فيه التسجيلات الصوتية لجلسات الاستماع في المحاكمة، يعد الوصول إليها من قبل الجمهور السوري أمراً صعباً، وهم يعتمدون على التقارير الصادرة باللغة العربية من قبل الصحافة أو المراكز الحقوقية أو "البودكاست" المخصص لتغطية المحاكمة، علماً أن المحكمة قررت في آب/أغسطس 2020، بمنح الصحافيين المعتمَدين الناطقين بالعربية حق الوصول إلى الترجمة الفورية باللغة العربية لجلساتها.

يذكر أن المحكمة أصدرت حكمها الأول في 24 شباط/فبراير الماضي، في قضية التعذيب داخل الفرع "251" ضد المتهم الثاني في المحاكمة، إياد الغريب، المسؤول الأدنى رتبة من العقيد رسلان، في إدارة مخابرات فرع "الخطيب" بدمشق. وحكم على الغريب بالإدانة، والسجن لمدة أربع سنوات ونصف السنة بتهمة "جرائم ضد الإنسانية".
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024