باسيل ينقلب على 7 آب

نور الهاشم

الخميس 2019/05/09
ثمة انقلاب على أدبيات 7 آب 2001، حصل في الأيام القليلة الماضية. القوى الأمنية والعسكرية، التي دان العونيون قمعها لعشرات المناضلين الذين تظاهروا ضد النظام الأمني اللبناني – السوري المشترك في العام 2001، تتحرك في وجه المناضلين ضد تمديد خطوط التوتر العالي في المنصورية، وتتدخل للتحقيق في ملف في وزارة الخارجية، وتداهم مقر صحيفة "الأخبار"، وتنتشر في شوارع العاصمة في مقابل تحركات المتضررين من خفض رواتبهم. 
المفارقة أن الجسم الأمني والعسكري نفسه الذي قمع المناضلين في العام 2001، يتخذ الوضعية ذاتها في العام 2019، في زمن حكم عهد الرئيس ميشال عون الذي تضرر، حكماً، من النظام الأمني في التسعينات، وتعرض مناصروه للقمع في 2001، وللملاحقة في سنوات تلتها. 

ثمة انقلاب بالممارسة على الخطاب، في حين تتمدد الصورة نفسها، مدعومة بسلطة تبدلت، وحازت على نَفَسٍ تحرري مفترض من الوصاية الأمنية السورية وأركانها اللبنانيين.

ماذا يحدث الآن؟ سؤال يتكرر في الإعلام وفي مواقع التواصل الاجتماعي، تعليقاً على التدخل الأمني في مواجهة المدنيين. 

"هل ثمة عسكرة للنظام؟"، سؤال طرحته قناة "إم تي في" في نشرة أخبارها، وتكرر في مداولات مواقع التواصل.  

"هل يرضى العهد بالممارسة الأمنية؟" تكرر السؤال، تعليقاً على مواجهة المدنيين المعترضين على تمديد خطوط التوتر العالي في المنصورية. 

مَن أبعد إدارة التفتيش في وزارة الخارجية عن التحقيق في تسريب محاضر جلسات واشنطن الى الإعلام؟ سؤال طُرح تعليقاً على تكليف جهاز أمني (أمن الدولة) للتحقيق في حادثة التسريب، وما رافقها من احتجاز لموظفين برتبة سفراء، يفترض أن تحميهم صفتهم الدبلوماسية من استعراض أمني في مطبخ السياسة الخارجية اللبنانية. 

هل تفتتح مداهمة قوة أمنية لمقر صحيفة لبنانية (الأخبار) عهد مداهمات أمنية لوسائل إعلام أخرى وتشرعها؟ 

يتخطى هذا السؤال وقعه الاستفهامي. فهو يعبّر عن مخاوف جدية تطاول حرية العمل الصحافي، بعد حدث نادر، كان قد اختفى منذ إغلاق قناة "ام تي في" في عهد الوصاية السورية، وتعرض لخرق عند اقتحام جريدة "المستقبل" وإحراق مبنى "تلفزيون المستقبل" في 7 أيار 2008، وتحول الى قضية رأي عام عندما طالبت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان بمثول رئيس تحرير جريدة "الأخبار" ابراهيم الأمين أمام المحكمة، وتمت إدانته أيضاً عندما تم التعرض لقناة "الجديد" مرتين على الأقل خلال العامين المنصرمين. 

ما حدث الآن، هو استثناء، وانقلاب في أدبيات العونيين. تحول الى ممارسة عملية في زمن تصاعد نفوذ رئيس "التيار الوطني الحر" ووزير الخارجية، جبران باسيل، الذي كان تياره البرتقالي أحد ضحايا النظام الأمني السوري اللبناني المشترك. 

ففي 7 آب 2001، بدأ "التيار الوطني الحر" يتشكل كقوة تحررية معلنة بشكل عملانيّ، ضد نظام أمني قمع الناشطين والمناضلين في ساحة العدلية. كان العسكر في ذلك الوقت، بالنسبة إلى العونيين، قوة قمعية، لا ذراعاً دولتياً تستخدمه السلطة للملاحقة. وحَفَر هذا التاريخ، في أذهان الآلاف، صورة المناضلين المسحولين تحت أقدام العسكر، وأولئك الذين هشمتهم أعقاب البنادق، وأدمَت وجوههم. 

مرت 18 سنة على المواجهة، قبل أن تنقلب الصورة. يلوذ المناضلون ومناصرو التيار بالصمت أمام الإجراءات القمعية الاخيرة، والاتجاه للاعتماد على العسكرة كقوة ردعية (في حادثة الخارجية) وقوة قمعية (في مواجهة المنصورية). 

لا شك أن الممارسات تبرر الشكوك السابقة، وتدفع الوزير باسيل الى موقع الشبهة بالانقلاب على أدبيات التيار. فما يُقال، تدحضه الممارسة لجهة حماية الحريات والدفاع عنها. وستشرّع أسئلة جوهرية عما إذا كان باسيل انقلب على رسالة 7 آب، وانحدر الى ممارسة النظام الأمني السابق. وهو، إذا صحّ، سيبرر الممارسات السابقة، وهو ما لا تقوم عليه رسالة لبنان كنظام مدني مفترض حامٍ للحريات والديموقراطية.. بل وينفي المظلومية العونية عن بِكرة أبيها، أو "بيّ الكل". 
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024