من فلسطين إلى العراق.. هكذا طورت إسرائيل ذبابها الإلكتروني

علي شهاب

الإثنين 2018/10/29
سبقت إسرائيل جميع اللاعبين في الشرق الأوسط في تطوير أذرعها السيبيرية منذ أكثر من عشر سنوات، حتى باتت لديها قيادات مستقلة بميزانيات ضخمة تتبع للأجهزة الأمنية الرئيسية كما لوحدات الجيش.

ومع أن مصطلح "الذباب الالكتروني" ظهر تحديداً اثر الأزمة الخليجية مع قطر، لكن تباشيره بدأت بشكل أوضح مع بداية الحرب السورية.

في ما يخص النشاط الإسرائيلي في هذا المجال، يمكن التوقف عند حملات عديدة؛ منها الحملة التي قادتها الخارجية الإسرائيلية إبّان العدوان على قطاع غزة في العام 2012، حين خصصت مبلغ 50 مليون دولار لـ"دعم" مدوّنين وناشطين في الداخل الأميركي لصنع محتوى يساعد على تأليب الرأي العام الأميركي ضد الفلسطينيين.

في بداية العدوان آنذاك، أشارت نتائج استطلاعات الرأي ان ما يزيد على 50% من الشعب الأميركي متعاطف مع أهل غزة. استنفرت الخارجية الإسرائيلية كادرها لقلب الموازين، فتم تمويل نحو 20 شخصية مؤثرة Influencer أميركياً لإنتاج فيديوهات قصيرة وكتابة تدوينات تهاجم حركة "حماس" وتُغلّب مفهوم "الإرهاب" الذي يريد إزالة إسرائيل على وقائع العدوان الجاري.

بالإضافة إلى ذلك، صنعت وحدة الإعلام الجديد في الجيش الإسرائيلي آنذاك مجموعة فيديوهات قصيرة جداً وبوسترات وانفوغراف لنشرها على منصات الجيش بأكثر من ستة لغات، وتم إرسالها الى ما يزيد على 3600 صحافي حول العالم.

من بين الفيديوهات المؤثرة، شريط فيديو مدته هي المدة الزمنية نفسها التي يستغرقها إسرائيلي يقطن في مستوطنة في غلاف غزة للإختباء من صواريخ حماس. تمت المقارنة في الفيديو بين الوقت الذي يحتاجه الإسرائيلي للاختباء، والوقت الذي يستغرقه أسرع عدّاء في العالم لاجتياز مسافة 100 متر. حاز الفيديو على مشاهدات قياسية في العالم.

ونتيجة للحملة الإسرائيلية المركزة في الداخل الأميركي، باتت أرقام المتعاطفين من الشعب الأميركي مع غزة مع نهاية العدوان لا تتجاوز 17% بعدما كانت 50% في بدايته.

قررت إسرائيل تفعيل هذا النشاط، فصارت المطالب بزيادة ميزانيات الأقسام المعنية بالإعلام الجديد تحظى بنقاشات حادة في لجان الكنيست المختصة، حتى أنّ احد الضباط المسؤولين عن وحدة الإعلام في إحدى أذرع الجيش قَبِل على مضض في جلسة للكنيست بميزانية 91 مليون دولار لتأسيس قسم جديد يتولى إدارة الحملات وإنتاج محتوى يخدم المصالح الإسرائيلية على شبكات التواصل، مطالباً بمضاعفة الميزانية في السنوات اللاحقة.

حظي التوجه الإسرائيلي الرسمي بدفع هام مع تسلم مدير الموساد يوسي كوهين مهامه في العام 2016، وهو المعروف بأنه رجل "علاقات عامة"، فأعطى إمتيازات إضافية لمحاولة إختراق الوعي ومخاطبة الشعوب العربية مباشرة. 

ومع تقدم الإبتكارات المرتبطة بالذكاء الصناعي وتطوير خوارزميات "مخيفة" في معامل أبحاث الشركات العابرة للحدود، إنتقل القطاع الخاص الإسرائيلي إلى بحث أساليب رفع مستوى المواجهة، علماً أن الشركات الإسرائيلية العاملة في مجال الأمن السيبيري رائدة عالمياً ومعروفة بتقديمها حلول غير مألوفة.

من الابتكارات الإسرائيلية البارزة في هذا المجال أخيراً، منصة ACT.il التي تعمل على ثلاثة مسارات موازية لجمع جهود "الناشطين" الإسرائيليين على شبكات التواصل من تدريب وتنظيم حملات وبناء جيوش إلكترونية.

المنصة تم إطلاقها بدعم من "المجلس الإسرائيلي الأميركي" ومركز "التخصصات المتعددة" بناء لتوصيات وضعها المركز الأخير بعد العدوانين على غزة في العامين 2012 و2014.
وتهدف المنصة المذكورة إلى "التأثير في الرأي العام في ما يتعلق بإسرائيل عبر شبكات التواصل في كل مكان وزمان". وتحت هذا الهدف، تندرج جملة أهداف فرعية كإحباط حركة المقاطعة للمنتجات الإسرائيلية أو أي نشاط يصنف على أنه معادٍ لإسرائيل.

وتعمل المنصة ضمن مجالات أربعة، تتمثل في صناعة محتوى الحملات الموجهة لملايين الناس حول العالم، والتدريب المحترف للمجتمع الإسرائيلي وتأهيله لاستخدام الأدوات لينشط بفعالية في شبكات التواصل، وتوزيع المهام على الناشطين الإسرائيليين من نشر للمحتوى والترويج له والتعليق على التدوينات والتوقيع على العرائض والتبليغ عن الصفحات "المعادية" وكل نشاط يعزز الحضور الإسرائيلي في العالم الإفتراضي. اضافة الى إنشاء غرف إعلامية تدعم دمج الناشطين الإسرائيليين وترفع من وعيهم الإعلامي.

البارز في عمل المنصة الإسرائيلية إتباعها سياسة "اللا شعار"، إذ لا يحوي المحتوى من صور أو مقاطع فيديو او نصوص على أي "حقوق للملكية الفكرية"؛ وبالتالي بمقدور أي "ناشط" إسرائيلي استخدام المحتوى ومشاركته (وربما إدعاء ملكيته)، ما يزيد من فرص الإنتشار.

وبطبيعة الحال طورت المنصة تطبيقاً للهواتف الذكية لتسهيل الولوج إليها، علماً أن آليات عملها لا تهدف فقط لقياس أرقام التأثير والإنتشار، فلا تهتم المنصة فقط بعدد الأشخاص الذين وصلتهم الحملة او المحتوى بل تعمل أيضاً (تقنياً) على تحديد هوية هؤلاء المستخدمين ومحاولة معرفة كيفية تعاملهم مع الرسائل التي تصلهم.

هذه المنصة هي واحدة من عشرات الإبتكارات التي أطلقها القطاع الخاص في إسرائيل بهدف الدمج بين التكنولوجيا والعنصر البشري، بعدما إنتقلت تل أبيب من نشاطها المعهود في الفضاء الإفتراضي وشبكات التواصل والذي كان يخضع لرزمة أهداف أمنية بالدرجة الأولى، لناحية التجنيد وجمع المعلومات وبث الشائعات وما شابه، إلى مستوى أعلى يخاطب البيئات الحاضنة لخصومها بشكل مباشر، أو تلك التي لها مصالح فيها كما هو الحال على سبيل المثال في العراق، حيث ينشط "الذباب الالكتروني" الإسرائيلي في استقطاب تأييد غير مسبوق، بحسب ما يظهر من طفرة الصفحات والحسابات التي تبث الدعاية الإسرائيلية وتحظى بتفاعل ملحوظ بين بعض المستخدمين العراقيين.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024