الأم المفترية!

صفاء عيّاد

الأحد 2021/01/17
كل مرة أشاهد فيها أو أسمع عن الظلم الذي تتعرض له الأمهات أمام المحكمة الجعفرية، أركض تلقائياً لأقبّل ابنتي آلاف القبلات وأضمّها، كأنني لن أراها مرة ثانية مثل أولئك الأمهات المظلومات تماماً. يعتريني الغضب من نفسي لأنني لن أستطيع مساعدتهن جميعاً سوى بالمشاركة عنهن على صفحات الموقع الأزرق، لعل صدى الصوت يصل إلى من في قلبهم إنسانية وإلى من ارتدوا عمامة الحق لا الظلم.

كل مرة أشاهد وأسمع فيها بكاء الأمهات على وسائل التواصل الإجتماعي، أحتار في ما أفعل. أنا عاجزة عن تقديم المساعدة. أشاهد التجاذبات التي تُختلق لجعل قضية غنى بيات تدور في سردية "الأم المفترية"، وبأن ما فعلته كان لجلب الأنظار وبأنها مذنبة "فضلت الحيوانات على ابنتها". المضحك هنا هو من يريد أن يسمع شهادة الطرف الآخر "الأب"، أما ما لا يمكن أن يتقبله العقل فهو فكرة أن طفلة رضيعة لا يتجاوز عمرها ١٥ يوماً تعيش محرومة من أمها!

كل مرة أشاهد وأسمع فيها عن ظلم الأمهات، أشعر بأننا نحن الأمهات سواء كنا مظلومات أو غير مظلومات ندفع ضريبة الأمومة. ندفع ضريبة قوانين بالية عافها الزمان ومازالت تضع سيوفاً على أعناقنا. كل ما نود قوله فقط: "لا للظلم، لا للخوف، لا للسكوت بعد الآن". نحن أمهات ونساء قررنا أن نقف ضد الظلم، قررنا وقف دفع ضريبة للأمومة.

كل مرة أشاهد وأسمع فيها عن ظلم الأمهات، أنظر إلى ابنتي، وأقول لها رغم صغر سنها: "سأكون سندك وسأحاول أن ابني لك مستقبلاً من دون أي ضريبة تدفع". وأسأل أمي: "أنستحق كل هذه المعاناة في الحياة؟ ألا يحق لنا العيش بسلام مع أبنائنا، أم أننا سنبقى ندفع ضريبة الأمومة بالدموع والصرخات؟".

كل مرة أسمع وأشاهد فيها عن ظلم الأمهات، أسأل نفسي: لماذا علينا أن نخضع تحت وصاية من هنا وهناك؟. ولماذا يكون القانون الذي وضع أصلاً لحماية الإنسان في غابة هذه الحياة، أولَ من يركلنا نحن النساء ويوجه لنا ضربةً قاضية.

كل مرة أشاهد أو أسمع فيها عن ظلم الأمهات، تتوارد أسماء الأمهات اللواتي تحولت قضاياهن إلى قضايا رأي عام إلى رأسي، أشعر بأني مكانهن. من منال إلى نادين وصولاً إلى  ليليان شعيتو وعبير وبادية وغيرهن. أدفع ضريبة الأمومة عنهن. وأسأل نفسي مجدداً: "متى ينتهي هذا الظلم؟ متى تتوقف النسوة عن البكاء؟ متى نتوقف عن المطالبة بأدنى حقوقنا؟ متى نتوقف عن الخوف على أبنائنا في هذه الغابة؟".

كل مرة أشاهد ظلم الأمهات وأسمع الصرخات المتتالية لهن أمام المحكمة الجعفرية، يخيل لي بأن تلك المحكمة عبارة عن سجن كبير يقضي على أحلامهن البسيطة فيما تٌفترس أمومتهن داخل أروقتها بلا رحمة.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024