في غزة: فستان سهرة.. سرطان أليف.. باب بلا قفل

فلسطين

الجمعة 2021/05/21
قصص غزة لا تحتاج تقديماً، هي تحكي عن نفسها وناسها. تُجيد الحكي، وأحياناً الخلاص أيضاً. لذا، ننشر بعضها هنا، مقتطفات ثلاثة من مدونات الكترونية، بأسماء كاتبيها وناقليها. نافذة صغيرة على مكان الوجع وأهله.

*
 خالد الحروب:
على مقربة من موقع قصف إسرائيلي في شارع الوحدة، يُخرج أحد الشباب فُستاناً "سواريه" (الصورة أعلاه)، ويقول:
في بداية شهر رمضان، تجادلت معي كثيراً، فتاة ما، حول سعر هذا الفستان.. قبل زفافها بأيام، كانت بارعة في الفصال، كبراعتها في إظهار بهجتها وحماستها لزفافها، لقد حجَزته بربع ثمنه وابتسامة الابتهاج تعلو وجهها وخطيبها، لقد أخبَرته أنها انتصرت عليّ وأنها ستكافحُ معه ليقيما بيتهما سوياً بأقل تكاليف، حتى إذا قصفه الاحتلال، لا يحزنا كثيراً عليه.. كانا يحملان روحيهما على كفيهما ولا يدريان إن كانا سيتزوجا بالفعل، أم أن الاستشهاد أقرب إليهما من الزفاف...!
عرسها كان من المفترض أن يقام ثالث أيام عيد الفطر.. لماذا لم تأتِ وتأخذه..؟!
أتمنى أن تكون ما زالت على قيد الحياة، هي وفتاها الوسيم.. أتمنى أن يمهلهما القصف ليلة واحدةً حتى من الزفاف والبهجة والحب.
إذا كانت لا تزال حيةً ترزق، فلتأتِ الآن وتأخذ نسخة سليمةً من فستانها مجانًا، أو أي فستان آخر نجا من القصف، أتمنى أن تأتي وتأخذه بدلًا من أن يظل هذا الفسان حلم فتاة بأن ترتديه لكن القدر شاء أن ترتدي كفنها بدلًا منه.. أتمنى أن تسكن بيتًا زوجيًا جميلًا مع حبيبها، بدلًا من أن تضم أحدهما جدران القبر.. تعالي وخذيه مجانًا، هو لكِ طول العمر، شرط أن تهدي المدينة فرحاً وحنّاء وزغاريد، وتقيمي فيها عُرسًا كبيرًا، بدلاً من المأتم اللانهائي الذي نعيش فيه، خذيه مجانًا وامنحينا يومًا واحدًا من الفرح حتى نقوى على مواصلة الجهاد من جديد..!
(أوصلوا قصصهم للعالم).

* إيمان شنن: حكاوي الحرب من غزة 2021
كتبت آية: أنا آية موسى، أعيش في مدينة غزة، أعاني السرطان، أخي محمود عمره 26 عاماً من ذوي الاحتياجات الخاصة، لا يستطيع الخروج من المنزل بسبب القصف المتواصل ونحاول أن ندمجه معنا حتى لا يتأثر من ضربات الصواريخ المتواصلة. لا يستطيع النوم، ولا حتى في النهار. كل لحظة، يعاني إضطرابات نفسية. عندما يسمع أصوات الانفجارات، نحاول السيطرة عليه، بلا جدوى.
وأنا أعاني المرض منذ سنوات طويلة، والآن بدأت أتناسى مرضي بسبب الخوف والقصف المتواصل على مدينتي. أصبحتُ مثل أخي، أعاني اضطرابات نفسية وانعدام الشعور بالأمان. حتى حين أسمع طرق الباب أو صوت سياره عابرة، أشعر بأنها أصوات قذائف، فأشعر بالخوف المتواصل. ناهيك عن ذلك، لجأت إلينا أختي وأولادها الستة، وهي تسكن في الأطراف المحاذية للحدود في قطاع غزة. ومع ذلك، حاولنا أن نتأقلم مع الوضع الراهن، ونظهر عدم خوفنا بسبب وجود الأطفال، لكن بداخلي خوف شديد لا يعلمه إلا الله، وقلبي يا الله، لم يعد قلبي يتحمل كل هذا، وأسأل نفسي: من أنت؟ أنا التي لم أخَف من السرطان يوماً، يقتلني الخوف كل يوم ألف مرة.
#غزة_تحت_القصف

* سما حسن: السابعة مساء، اليوم العاشر لعدوان 2021 على غزة
في الصباح العائد متأخراً بسبب استمرار القصف على مدينتي الحدودية، كنت أتحرك بتثاقل في أنحاء بيتي الصغير فيما استغرق الأولاد في النوم بسبب التعب والتوتر وسهرهم طيلة الليلة الماضية، وقررت أن أجوس في البيت كما كنت أفعل قبل العدوان. شربت قهوتي وبدأت في ترتيب غرفة المعيشة، وكذلك المطبخ، وتفقد الملابس التي بحاجة للغسيل. وكلما تحركت، كنت أكتشف أنني متعبة وهناك وخزة في قلبي، وأخبرت إبني بذلك حين استيقظ بعدي بقليل، قلت له: قلبي مقبوض، لكني تحاملت، وكتبت على اللاب توب، واسترسلت في التعبير عن مشاعري وسالت دموعي، حتى تعالى صوت القصف على بيتين في الجوار، فهبَّت البنتان من نومهما، ووجدنا أنفسنا عند باب البيت لا نعرف كيف نتصرف. ألقيت نظرة على قفل الباب لأكتشف أننا لم نعد نغلق الباب بالقفل منذ بداية العدوان، أي أمان هذا الذي نستشعره حين نترك أبوابنا بلا إغلاق طيلة الليل والنهار..
هدأنا قليلاً وتناولنا كعكات من كعك العيد، حتى جاءت البشرى بعودة الكهرباء بعد غياب طال. وهكذا كنت "أركض"، كما وصفت لأحد الأصدقاء فضحك بقوة، أملأ خزانات الماء العلوية بالماء من الخزانات السفلية بمساعدة جهاز الرفع، وأسخن الماء بالسخان الكهربي لكي نحصل تباعاً على حمام سريع، وأدس الغسيل المفروز في الغسالة، كل ذلك تم خلال ساعة وكنت ألهث، وتناسيتُ دقات قلبي المتسارعة وهمستُ لنفسي: احييني اليوم وموّتني بكرة، هكذا يقول المثل، ونحن يجب أن نعيش تحت القصف، حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً، الجميل والصادق أننا لم نعد نخاف ونتوقع أي شيء، لماذا؟؟ الإجابات معروفة بالطبع...
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024