نادين جابر:الدراما هروب من الواقع...و"صالون زهرة" فكرة نادين نجيم

إيمان ابراهيم

السبت 2021/10/02
هي الكاتبة النشيطة التي لا تهدأ، أعمالها لا يشبه أحدها الآخر، دائماً لديها ما تقوله، ودائماً تقول ما لديها بطريقة مبتكرة بعيدة من التكرار.
تنغمس نادين جابر حالياً في كتابة الجزء الثاني من مسلسل "للموت"، الذي سيعرض في رمضان المقبل. وهو تحدٍّ أبعدها من مسلسل "عشرين عشرين" بموسمه الثاني. واليوم، يُعرض لها عبر منصّة "شاهد"، مسلسل "صالون زهرة" من بطولة نادين نجيم ومعتصم النهار. وفيما صوّر المسلسل بعد انفجار المرفأ في منطقة مار مخايل، نقله المخرج جو بو عيد برؤية إخراجيّة إلى زمنٍ آخر، بعيداً من بيروت الحاضر والتي لم تعد تشبه نفسها.
تعترف جابر في حديث مع "المدن" أنّها ككاتبة، تنفّذ أحياناً فكرة ممثل أو شركة إنتاج، لكنّها تؤكّد أنّها ترفض تنفيذ فكرة لا تلامسها، وترى أنّ الأجزاء الثانية تسقط عندما لا يكون لدى كاتبها ما يقوله... وهنا حوارها مع "المدن": 

- عندما انطلق عرض "صالون زهرة" عبر "شاهد"، قارنه كثيرون بفيلم "كاراميل" لنادين لبكي، وعرض الفيلم قبل أيّام على شاشة LBCI، فهل تجدينه بريئاً؟

لا آخذ الأمور بهذا المنحى. "صالون زهرة" بالنسبة إلي مختلف كلياً من ناحية القصّة والشخصيات، عن الفيلم. لا تشابه على الإطلاق. قد يكون الشبه في الصورة أو الألوان، أو أنّ القصّة تدور في صالون تجميل نسائي. هذا الأمر لم نخترعه ولم نقتبسه، بل هو موجود في الكثير من المسلسلات والأفلام. أمّا عن عرض الفيلم في هذا التّوقيت، فلا أعتقد أنّه مقصود.

- تتعاونين للمرة الأولى مع المخرج جو بو عيد، بعد سلسلة أعمال جمعتك بفيليب أسمر، هل كان جو أميناً على الورق الذي كتبته؟

كقصّة نعم، كان جو أميناً بنقل التّفاصيل. لكن بخصوص الأجواء، كنت أكتب القصّة وأتخيّل أجواء أكثر واقعيّة، أن ننزل إلى الشارع أكثر. لكن رؤية جو، سواء بالألوان أو الزمان أو المكان، لم تضرّ بالعمل، بالعكس أعطته بصمة مميّزة.

- المخرج نقل العمل إلى أجواء الثمانينيات، وهو مصوّر في منطقة مار مخايل بعد وقوع انفجار المرفأ، هل أراد اللعب على وتر النوستالجيا في عصر لم تعد فيه بيروت تشبه نفسها

إلى حد ما نعم، وهذا خدم العمل.

- أن نُشاهد نادين نجيم "كوافيرة" في صالون شعبي، هل كانت هذه فكرتك، أم فكرة الممثلة وشركة الإنتاج؟

للأمانة لم تكن فكرتي، بل فكرة نادين نفسها، كانت ترغب في مسلسل "لايت كوميدي" يدور داخل صالون للتزيين، اسمه "صالون زهرة"، وطلبت منّي شركة "الصباح" كتابة النّص وأنا أخذته إلى مكانٍ آخر، له علاقة بالنّساء ومشاكلهنّ.


(مسلسل "صالون زهرة")

- أيّهما أسهل. أن تقوم شركة إنتاج بإعطائك فكرة للعمل عليها، أم أن تنطلقي بنصّك من فكرتك الخاصّة؟

في العادة تعطي شركة الإنتاج فكرة فحسب، من دون أجواء للمسلسل. طلبوا منّي مسلسل "لايت كوميدي" داخل صالون حلاقة. أي شيء آخر كان نابعاً منّي. لكن في المختصر، إذ طُلب منّي مسلسلٌ لا أجد نفسي فيه، لا أنفّذه وأعتذر عنه.

- ما زالت هنالك معضلة في الأعمال العربيّة تخطّتها الأعمال الغربيّة منذ سنوات، تكمن في البطولة المطلقة. حيث يوجد بطل، وحوله تدور شخصيّات ثانويّة. في "صالون زهرة" تدور القصّة كلّها حول نادين نجيم...

صحيح أنّ "زهرة" هي أساس القصّة، لكن لكل شخصيّة قصّتها وقضيّتها في سياق العمل. أنا في المبدأ ضد مقولة أنّ ممثّلاً وحده، يستطيع أن يحمل مسلسلاً على أكتافه، نجاح المسلسل هو تعاون بين نص وإخراج وإنتاج وممثلين، وأي عنصر مفقود لا يُنجح المسلسل.

- أحياناً يكون الإنتاج سخياً والإخراج مبتكراً، والقصّة مشوّقة، والممثلون نجوماً. لكن دائماً نشعر أنّ ثمّة حلقة مفقودة في معظم الأعمال العربيّة، ما السبب؟ هل لأنّ الكاتب مُلزم بتطبيق رؤية المنتج والممثلين أحياناً؟

الحلقة المفقودة مردّها في العادة فقدان أحد العناصر الأربعة. سأتحدّث عن الجانب الخاص بي ككاتبة، نعم أحياناً يقترح الممثّل فكرة، وأحياناً يتدخّل في سياق العمل، أنا ككاتبة لا أستطيع أن أكتب ما يقوله الممثل في المطلق، إن أعجبتني فكرته آخذها، وإن لم تعجبني أتجاهلها. من حقّ الممثّل أن يبدي رأيه ويعطي ملاحظاته ويشارك أفكاره، ويخوض نقاشاً مع الكاتب والمخرج والمنتج حول فكرة معيّنة.
الحلقة المفقودة تكون عندما ينفّذ الكاتب فكرة من دون أن يقتنع بها. كما يحصل عندما يقع خلاف في الآراء بينه وبين المخرج. إذا كانت الكيمياء مفقودةً بين الطّرفين، يبدأ المخرج حينها بالتدخّل بمجريات النّص واجتزائه، لكن هذا الأمر لم يحصل معي بعد.

- يُعرض"صالون زهرة" اليوم عبر "شاهد". من خلال ما لمسته من ردود أفعال، هل أصبح الجمهور اللبناني جمهور منصّات، أم أنه ما زال وفياً للتلفزيون؟

هناك جيلان من المشاهدين، الأوّل هو الجيل القديم الذي لا يفقه التكنولوجيا ولا يشاهد سوى التلفزيون، والثاني هو الجيل الأحدث الذي يشاهد التلفزيون كما يشاهد المنصات. وطالما أنّ هناك شريحة واسعة ما زالت تشاهد التلفزيون فقط، نحن بحاجة إلى عرض أعمالنا عبر الشاشة الصّغيرة كي نضمن وصولها إلى أكبر عدد من المشاهدين. لكن بعد سنوات، أعتقد أنّ الأمور ستذهب في اتجاه المنصّات والمشاهدة عند الطّلب.

- المنصّات العالميّة تعرض مسلسلاتها دفعةً واحدة، بينما في "شاهد"، نشاهد حلقة أو اثنتين في الأسبوع، ألا يفرغ هذا الأمر المنصّة من مفهومها؟

عرض حلقتين في الأسبوع ليس عنصر جذبٍ لجمهور المنصّات الذي اعتاد مشاهدة الأعمال دفعة واحدة، لكنّي أتفهّم الاستراتيجيّة التي تعتمدها "شاهد" كي لا تحرق أعمالها، إذ أن الجمهور ينهي أحياناً مسلسلاً في يومٍ واحد. كنت أتمنّى لو عُرض العمل كاملاً، خصوصاً أنّه 15 حلقة فقط. في الحقيقة كتبت العمل ليمتد على 12 حلقة فقط، لكن لغطاً حصل في قفلات الحلقات، ولم تعد كما كتبتها على الورق، وبالتالي لم تعد الحبكة التي تجعل المشاهد ينتظر إلى الحلقة التالية موجودة، وتبعثرت الأحداث.

- كيف تجدين أصداء العمل؟

الأصداء إيجابيّة، الناس أحبّت "زهرة". هي شخصيّة نافرة وجاذبة في الوقت نفسه. هي امرأة قويّة مشاكسة لا تترك حقّها أبداً. الرجال يكرهونها في الحي لأنّها تحكي كلمة الحق. والملفت هو أن يعرف المشاهد لماذا أصبحت "زهرة" على ما هي عليه.

- لماذا تركت شركة "الصباح" بعد سنوات من التعاون؟

أكنّ معزّة واحترام للشركة، لكن ما حصل أنّني عندما كتبت مسلسل "للموت" الذي عُرض مع شركة "إيغل فيلمز" في رمضان الماضي، اتفقنا على تقديم موسم ثانٍ من عشر حلقات خارج رمضان، على أن أكون في رمضان المقبل مع "الصباح" لكتابة الموسم الثاني من مسلسل "عشرين عشرين". إلا أنّ "إيغل فيلمز" قرّرت تقديم "للموت" بثلاثين حلقة لرمضان المقبل، وبات لديّ تضارب في الأوقات، فاخترت "للموت" لأنّ في "عشرين عشرين" كان معي الكاتب بلال شحادات وهو يستطيع أن يحمله، بينما المسلسل الأوّل هو عالمي وشخصياتي التي تنتمي إليّ فقط.


(مسلسل "للموت")

- عندما يكتب الكاتب موسماً ويرحل، هل ينظر إلى المواسم التالية التي استمرّت من دونه بعين الغيرة، الغضب، النقد، أم ماذا؟

لأنّني كاتبة، أشاهد كل الأعمال على التلفزيون بعين الناقد، وليس بعين المشاهد. حتى مسلسلاتي أشاهدها وأنا أبحث فيها عن مكامن الخطأ.

- متى يشعر الكاتب أنّه تورّط في موسمٍ ثانٍ ولم يعرف كيف ينهيه؟

يتورّط عندما يكون مرغماً على كتابة موسمٍ جديد، وهو مقتنع أنّه لم يعد ثمّة أحداث. أنا لست ضدّ الأجزاء، طالما لديّ ما أقوله، وطالما أنّ القصّة تحتمل. يسقط الجزء الثاني عندما لا يكون هناك ما يقال. لكن "للموت" انتهى بطريقة تسمح باستمرار الأحداث وثمّة الكثير من الأحداث بانتظار المشاهدين.

- أين أصبحتِ في الكتابة؟

اليوم أنا في الحلقة 14، وسيتم تصوير المسلسل أواخر هذا الشهر.

- في العادة يتمّ التصوير بعد رأس السّنة، فما سبب انطلاق التصوير في وقتٍ مبكر؟

وضع لبنان غير مستقر، وثمّة ضغوط عند التأخير في التصوير، اليوم نملك رفاهية الوقت، وتصوير 17 حلقة يتطلّب شهرين على أقل تقدير لذلك نحن في التوقيت الصحيح.

- "للموت" في الجزء الأوّل، مرّ على وضع لبنان من خلال الحي الشعبي، هل سنشهد انهيار البلد في المسلسل، أم ستمرّين على الأوضاع مرور الكرام؟

سنواكب هذه التطوّرات كما في الجزء الأوّل، بشكل غير مباشر، من خلال أزمة البنزين والدواء.

- هل يجب على الدراما أن تتحوّل إلى نشرة أخبار تنقل الواقع، أم عليها أن تكون وسيلة هروب من هذا الواقع؟

أحياناً أضحك عندما يقال لي هذا المسلسل لا يشبهنا. العمل الخيالي لا يحصل في الواقع، لكنّنا نشاهده، الدراما ليست دائماً انعكاساً للواقع، بل أحياناً تكون مهمتها أن تنقل المشاهد إلى عالم آخر وتفصله عن مشاكله. ليست مهمّة الدراما الإصلاح، مهمّتها ألقاء الضّوء على مشاكل معيّنة حتى يقوم أصحاب القرار باتّخاذ قرار الإصلاح.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024